الدار/ افتتاحية
هل يمكن أن ننسى ما منحه أشبال الركراكي للمغاربة من حلم وسعادة في مونديال قطر 2022؟ هل نستطيع أن ننسى بسهولة هستيريا الفرح والفخر بالوطن والانتماء التي اجتاحت بلادنا في الشتاء الماضي؟ كم كان حجم الدفء الذي شعرنا به جميعا ونحن نتابع مباريات الأسود وانتقالهم من دور إلى آخر في كأس العالم؟ الإنجاز الذي تحقّق في الكأس العالمية كان تاريخيا ورقما قياسيا إفريقيا وعربيا، وكان بالأداء والنتيجة والقيم والمبادئ. صورة هذا الإنجاز انتشرت عبر العالم بعد أن أسعد أشبال الركراكي ملايين العرب والأفارقة ودفعوهم إلى الافتخار بالانتماء إلى هذه البقعة الأرضية.
ما حدث في مباراة الأمس أمام منتخب جنوب إفريقيا لا يعدو أن يكون مجرد كبوة فارس وعثْرة عابرة. لا أحد يكبو غير الفرسان والمحاربين أمّا الجبناء والمتردّدون فلا يجرؤون أصلا على خوض غمار المواجهات والمعارك. هناك كثير من الكلام التقني والفنّي الذي يمكن أن يُقال لتفسير الهزيمة والإقصاء مرة أخرى في الدور الثاني من منافسات كأس إفريقيا. وكلّنا نحسن هذا النوع من النقد والتحليل واللوم والعتاب. نستطيع جميعا أن نستعرض قائمة الأسباب الطويلة التي أدّت إلى هذه الهزيمة ومنها بالأساس عدم الاستعداد الجيد لمواجهة ظروف إفريقية خالصة لا علاقة لها بالظروف التي يمارس فيها أغلب محترفينا في الدوريات الأوربية.
لقد كان وليد الركراكي كمن يتنبأ بما سيحدث عندما صرّح في ندوة صحفية خلال مباريات الدور الأول قائلا: “إفريقيا خصّها الريّة”، وكان يعلّق على سؤال لأحد الصحافيين ذكّره بمفهوم النية. بغض النظر عن الأسباب التقنية للهزيمة فمن المهمّ أن نذكّر في الظرف الحالي بأهمية الحفاظ على الالتفاف حول وليد الركراكي وأشباله. هذا الجيل من اللاعبين المغاربة المحترفين والمحليين أيضا حقق إنجازا تاريخيا لم يسبق لأي منتخب عربي أو إفريقي أن حقّقه. وأهم إنجاز نجح في تحقيقه في نظرنا هو هذا الإجماع الوطني على حبّ المنتخب وتشجيعه ومتابعته. لم يحظ منتخب مغربي في تاريخ كرة القدم الوطنية بهذا التضامن والإجماع.
والذين يفتحون اليوم بعض أبواب التطاول، وليس النقد المقبول، يتناسون أن مباريات كأس إفريقيا تُلعب أحياناً على تفاصيل بسيطة ودقيقة لكنّها مؤثرة للغاية. ومن غير المنطقي أن يحوّل هؤلاء المتطاولون بين عشية وضحاها مواقفهم من التشجيع والدعم المطلق إلى التهجّم الكامل. لا بد من مساحة موضوعية تمكّننا من النظر إلى ما حدث في كوت ديفوار بنظرة عقلانية لاستخلاص النتائج واستنتاج العبر والدروس. ولعلّ أهم الدروس التي ينبغي لنا التركيز عليها في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب هي ضرورة الحفاظ على هذا الانسجام غير المسبوق بين الجمهور الرياضي ومنتخبه الوطني لكرة القدم. لا يجب أن نفقد أبدا هذا الزخم مهما جرى.
ما حدث في كوت ديفوار يحتاج إلى النسيان بسرعة. لأن أمام منتخبنا الوطني تحديات أكثر أهمية في المستقبل القريب. لا يتعلق الأمر فقط بالتعامل مع الاستحقاقات القادمة وعلى رأسها منافسات كأس العالم 2026 بما تشمله من مباريات إفريقية أيضا لا تقل سخونة وصعوبة، بل يجب أن نواصل التركيز على بناء استمرارية كروية فعالة وناجحة على غرار تلك التي تحقّقت منذ مونديال قطر 2022. نحن نعلم جميعا أن المنتخب الوطني يضم بعض العناصر التي قد تغادر مواقعها في المستقبل القريب جدا، وعلى وليد الركراكي أن يكون مستعدا مرة أخرى لتحقيق الانتقال من الجيل الحالي إلى الجيل اللاحق بنجاح وفعالية. وهذا هو الرهان الأهم فيما سيأتي مستقبلا.
لهذه الأسباب يجب أن نتجاوز كبوة كوت ديفوار بسرعة كبيرة، ونعود إلى زخمنا السابق المبني على النجاح والفوز والتفوّق مهما كان الخصم. نريد أن يستعيد منتخبنا الوطني بسرعة الجاهزية التي مكّنته من تحقيق فوز تاريخي على المنتخب البرازيلي وإن كان ذلك في مباراة ودّية فقط. ومن هنا ننبّه إلى أن النقد الموضوعي والرياضي المقبول مرحّب به دائما، لكن لا مجال لفتح الأبواب أمام فوضى التشهير والقذف والتهجّم المجاني والانتقادات غير المبرّرة. من حقّنا أن نعلّق على ما حدث، لكن من الضروري أيضا أن نشكر أسود الأطلس على الرغم مما حصل وأن ندعم وليد الركراكي في مشروع إشعاع كرة القدم الوطنية الذي يجب أن يتواصل.