إبراهيم ينضم للأسود.. معذرة إسبانيا “تمغربيت ما كتشاورش”
الدار/ افتتاحية
انضمام اللاعب المغربي المحترف بنادي ريال مدريد الإسباني إبراهيم دياز في أوج نجوميته وعطائه إلى المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم إنجاز يُحسب للجامعة الملكية لكرة القدم، ووطنيةٌ خالصة تُحسب للاعب الذي ينحدر من أب مغربي وأمّ إسبانية. على الرغم من أنه وُلد في مالقة ونشأ هناك وترعرع في الأندية الإسبانية ويجتاز اليوم أفضل مراحل مساره الكروي لم يتردّد إبراهيم في حسم اختياره على الفور وحمل قميص أسود الأطلس. في قصة إبراهيم دياز الكثير من العبر والدروس التي تؤكد أن الإنسان المغربي لا يمكن أن ينسى أبدا أصله ووطنه مهما كانت الظروف ومهما طال الزمن.
الدليل على ذلك أن والد إبراهيم دياز، عبد القادر محاند، الذي وُلد بمدينة مليلية المحتلّة لم يمنعه الوجود الإسباني وانتقاله للاستقرار في مدينة مالقة أبدا من نسيان جذوره المغربية التي ظلّ يفتخر بها دائما، إلى أن أُتيحت لابنه النجم إبراهيم دياز الفرصة للتعبير عن هذا الانتماء القويّ للمغرب. ونحن ما فتئنا نؤكد مرارا وتكرارا أن البترول الحقيقي الذي يمتلكه المغرب هو أبناءه في المهجر. ليس فقط من الجيل الأول والثاني بل من الجيل الثالث الذي ولد ونشأ هناك ومع ذلك ظل محافظا على ارتباط وثيق ببلاده ووطنه. الفضل في هذا الارتباط يعود بالأساس إلى الآباء المهاجرين الأوائل الذين قرروا منذ زمن طويل أن تجربة الهجرة ليست سوى مرحلة مؤقتة وعابرة.
صحيح أن هذه المقولة ليست صحيحة وتمثل مجرد محاولة للتخفيف من معاناة الغربة النفسية والاجتماعية إلا أنها كرّست على الأقل ثقافة متوارثة في هذا الإطار، جعلت هذه الأجيال الأولى تؤسس تقاليد راسخة يحترمها الأبناء ثم الأحفاد. من بين مظاهر هذه التقاليد التي نعرفها جيدا رحلة العبور السنوية التي يقطعها ملايين المغاربة لا سيما في فصل الصيف لزيارة الوطن والأهل والأحباب. إبراهيم دياز لاعب من العيار الثقيل وقد بدأ للتو مسار التألق الأوربي بعد أن التحق بفريق ريال مدريد، لذا فإنه سيشكل إضافة نوعية إلى المجموعة الوطنية المقبلة على استحقاقات رياضية قارية وعالمية حاسمة.
لقد أثار قرارُ إبراهيم دياز اختيارَ حمل قميص أسود الأطلس جدلا واسعا في الساحة الرياضية الإسبانية، واختلفت آراء الخبراء والمختصين حول ذلك، وذهب بعض المحلّلين إلى اعتبار هذا القرار براغماتيةً مفهومة من اللاعب الذي اختار المنتخب الذي سيجد فيه مكانا رسميا، بدلاً من اللعب للمنتخب الإسباني الذي قد لا يضمن فيه هذا الحضور الرسمي. لكنّ هذه التحليلات كانت مجرد محاولات للتقليل من حقيقة الانتماء الذي يشعر به أبناء الجالية المغربية في الخارج، لا سيما بعد أن رأوا أنّ نُظراءهم الذين سبقوهم إلى المنتخب الوطني وجدوا كل الدعم والإمكانيات والزخم الكافي لتحقيق ملحمة مونديال قطر 2022. إبراهيم دياز اختار المنتخب الوطني لأنه معتزّ بمغربيته، ولأنه سيلعب ضمن فريق يضمّ خيرة اللاعبين المحترفين في أوربا من قبيل أشرف حكيمي وحكيم زياش ويوسف النصيري. والجمع بين الغاية الوطنية العاطفية والغاية الشخصية البراغماتية ليس عيباً.
لذا يمكن أن نقول للمحللين الإسبان الذين يسعون باستمرار إلى استصغار القرارات التي يتخذها اللاعبون المغاربة: معذرةً لأن “تمغربيت ما كتشاورش”. ونقول في الوقت نفسه للاعبين الإسبان من أصول مغربية الذين اختاروا اللعب لإسبانيا: أنتم أحرار، وسيظل الوطن غفورا رحيما، وحضنا دافئا لكم. لكننا لا نستطيع أن نضع البيض كلّه في سلّة واحدة. لا يمكن أن نقارن بين الذين يلبّون نداء المغرب على الفور بعيدا عن أيّ مزايدات أو حسابات ضيقة وبين أولئك الذين يفضلون دراسة القرار بمنطق الربح والخسارة على مستوى المصلحة والمسار الشخصي ويبالغون أحيانا في ذلك إلى درجة الابتزاز والمساومة. من حقّ اللاعب أن يؤمِّن لنفسه مسيرة كروية متألقة ويضمن استمرار نجوميته وحضوره في شتّى المباريات التي يشارك فيها، لكن من حقّ الوطن أيضا أن يكافئ المستجيبين ويقدّر لهم هذه الروح الوطنية الصادقة.