الخطوط الحمراء في ملف الصحراء إعلان عن نهاية النزاع المفتعل
الدار/ افتتاحية
تلقّى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا رسالة واضحة وحاسمة للغاية على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة خلال لقائهما يوم الخميس الماضي. تضمنّت هذه الرسالة 3 محاذير لا يمكن انتهاكها في حال الشروع في أي عملية تسوية سياسية. هذه اللاءات الثلاث التي أعلنها وزير الخارجية هي: “لا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر، ولا حلا خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ولا عملية سياسية جدية في وقت ينتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو”.
هذه المحاذير الثلاث تمثّل شروطا لا رجعة فيها ولا تقبل النقاش أو التفاوض. وتعدّ هذه الشروط حصيلة التراكم السياسي والتاريخي الذي شهده هذا النزاع المفتعل، وخلاصة التجربة الدبلوماسية التي خلصت إليها بلادنا بعد عقود طويلة من المماطلة والابتزاز والتآمر الجزائري. التحذير الأول يؤكد من جهة أن المغرب حريص على المسار الأممي في معالجة هذا الملف من خلال المفاوضات، لكنه يدرك أن الطرف الحقيقي في النزاع ليس هو ميليشيات البوليساريو المصنوعة بل النظام الجزائري الذي يقف وراء هذه المعضلة منذ البداية بالمال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي. المغرب يعلم أن الانفصاليين مجرد جنود في عصابة تموّلها الجزائر وتحركها المخابرات الجزائرية، ولا يمتلكون لا استقلالية القرار ولا حرية المناورة والتفاوض.
هذا يعني أنه لا مجال لإضاعة الوقت في مفاوضات مع طرف لا يستطيع أن يقدّم أو يؤخر في اختياراته وقراراته. التفاوض الذي سيشارك فيه المغرب يجب أن يكون مباشرة مع الجزائر ليس من أجل مناقشة مسألة السيادة التي تعد بمثابة الخطّ الأحمر الثاني. النقاش لا يجب أن يخرج عن دائرة مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب منذ 2007 وشكّل أرضية لكل الموائد المستديرة التي انعقدت منذ ذلك التاريخ بشأن هذه القضية. هذا هو المنطق الوحيد الذي يقبل المغرب من خلالها تسوية لهذا النزاع المفتعل، لأنه يؤكد السيادة المغربية التي تعد حقا تاريخيا وشرعيا لا يمكن التشكيك فيه. عندما قبل المغرب مبدأ التفاوض فقد فعل ذلك انطلاقا من هذه القناعة الوطنية الراسخة.
الخطّ الأحمر الثالث المتعلق بخرق وقف إطلاق النار الذي تقوم به ميليشيات البوليساريو بصفة يومية يضع المسؤول الأممي ومن ورائه مجلس الأمن أمام مسؤولياتهم التاريخية فيما يتعلق بإيجاد الضمانات الكفيلة بانطلاق أيّ مسلسل تفاوضي. وأول ضمانة وأهمها هي احترام الاتفاق الأصلي الذي مثّل مدخل المساعي السلمية منذ بداية التسعينيات. من غير المعقول أن تواصل الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها الشخصي مطالبة الأطراف بإطلاق المفاوضات والسير قدما في هذا المسلسل بينما تواصل جبهة البوليساريو بإيعاز من الجزائر أعمالها الإرهابية والعدائية ضد المواطنين المغاربة الآمنين. لقد اعترفت جبهة البوليساريو بمسؤوليتها عن الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى استشهاد مواطن مدني في مدينة السمارة في أكتوبر الماضي.
كما أنها تواصل يوميا إطلاق التهديدات بحمل السلاح وتنفيذ الاعتداءات والعمليات الإرهابية. ومسؤولية المبعوث الأممي تتمثل أساسا في فرض اتفاق وقف إطلاق النار على الانفصاليين، وإقناع الجزائر بضرورة الامتثال إليه. فنحن ندرك جيدا أن هذه الأعمال العدائية لا تحدث إلا بقرار مباشر من المخابرات العسكرية الجزائرية وبتوجيه منها. وإذا كان المبعوث الشخصي غير قادر على فرض هذه الشروط وإقناع الطرف الجزائري بها فمن المؤكد أن وساطته ستبوء مرة أخرى بالفشل، ولن تفضي إلى أيّ تقدم أو حلّ. لكنّ الأهم بالنسبة إلينا في الوقت الراهن هو التأكيد على أن هذه اللاءات الثلاث بمثابة خطوط حمراء لا يمكن التنازل عنها مهما حصل. إنها إعلان رسمي عن نهاية هذا النزاع المفتعل إلى الأبد.