الرأي

منتصر حمادة يكتب: طه عبد الرحمن، ما له وما عليه

منتصر حمادة

منذ سنوات ونحن نروج مقولة مرجعية في مجال النقد، أياً كان مجال الاشتغال النقدي (الدين، الفكر، السياسة، الأدب، الفن.. إلخ)، وتكاد تكون مقولة ذهبية ونافعة في آن، صدرت يوماً عن الإمام مالك، وجاء فيها أنه "كلٌ يُؤخذُ من كلامه ويُرد".

ضمن أحدث إصدارات الساحة، نقرأ كتاباً بعنوان "[محمد] الطالبي ما له وما عليه: مواقف الطالبي من القرآن والسنة والشريعة"، للباحث التونسي محمد عاشور النفاتي، وواضح أننا إزاء تطبيق متوقع من تطبيقات القاعدة الذهبية للإمام مالك، وهي قاعدة تنطبق على جميع الأقلام، دون استثناء، إلا ما نعاينه مع بعض المرجعيات الإيديولوجية أو الطائفية، من قبيل تعامل بعض أتباع الخطاب السلفي الوهابي مع أعمال ابن تيميه، أو تعامل بعض أتباع جماعة "العدل والإحسان" الإسلامية الحركية مع أعمال عبد السلام ياسين، أو تعامل بعض أتباع التديّن الشيعي مع أعمال الخميني، ونماذج أخرى من مرجعيات وإيديولوجيات أخرى، قاسمها المشترك، الاقتراب من تقديس تلك الأسماء، والتعامل مع أعمالها تأسيساً على قاعدة "مع إمامنا، قوله يُؤخذُ منها ولا يُرد".

ومعلوم أيضاً، على الأقل عند قراء مجلة "أفكار"، أن مقولة الإمام مالك سالفة الذكر، هي المقولة ذاتها التي أسسنا عليها مقالة في السياق، وصدرت في افتتاحية العدد الثاني عشر للمجلة، مؤرخ في يناير 2017، حيث توقفنا حينها عند بضع إشارات، نعتقد أنها صالحة لأي ناقد في معرض التفاعل التأملي والنقدي مع أي إصدار أو مشروع أو اجتهادات وما إلى ذلك.

من هذه الإشارات، من باب التذكير فقط، أنه لا توجد الحقيقة في/ مع مشروع علمي واحد، وإنما مُوزعة هنا وهناك؛ الانتصار لأخلاق التواضع؛ التحرر سلفاً من أخلاق الحقد والطائفية… وما جاوز تلك الأخلاق الممارسات غير السوية؛ وإشارات أخرى.

في هذا السياق، جاء تفاعلنا مع الإصدار الأخير لطه عبد الرحمن، وجاء تحت عنوان: "ثغور المرابطة" (دجنبر 2018)، وهو الإصدار الذي توقعنا حينها أنه ستكون له تبعات سلبية على مشروع طه عبد الرحمن في مجال الأخلاقيات على الخصوص، بما فيها اجتهاده الذي يحمل عنوان "النظرية الائتمانية" أو قل النظرية الأخلاقية، المؤسسة على مرجعية صوفية، وتأكد توقعنا مع مرور الأسابيع والأشهر.

وبيان ذلك يطول شرحه والتفصيل فيه، بل نزعم أن الخوض فيه أشبه بالمشي في حقل ألغام، كما كنا نردد على هامش الخوض في قضايا الشأن الديني، لذلك نقتصر هنا على إشارة واحدة فقط، مفادها أن الكتاب المعني ــ وهو في الأصل، تجميع لمحاضرتين، واحدة حول مسؤولية المثقف وأخرى حول سؤال التطبيع، مع إضافة ثلاثة فصول حول سؤال الطائفية ــ تضمن أحكاماً سياسية إيديولوجية (فكرانية حسب اصطلاح المؤلف)، سواء تعلق الأمر بالموقف من واقع الطائفية، أو واقع التطبيع، وليس هذا مقام التفصيل في الموضوع كما سلف الذكر، ونقتصر هنا على معطى واحد، عنوانه غياب الإنصاف النقدي، سواء جاء ذلك في معرض التعامل مع موقف الدول العربية، المشرقية والمغربية، مع واقع التطبيع، أو جاء في معرض التعامل مع التأثير الاستراتيجي الغربي على أداء صناع القرار في المنطقة، وخاصة في دول الخليج العربي.

ولأننا طالما روجنا بعض أعمال طه عبد الرحمن، منذ عقد ونيف، كما فعلنا مع أسماء أخرى، محلية وإقليمية ودولية، في إطار تكريس القليل من ثقافة الاعتراف، فقد كان علينا قراءة الكتاب، وخاصة الفصول الثلاثة المنشورة لأول مرة، قبل تحرير عرض متواضع في العمل، في هذا الموقع أو ذلك، لولا أن قراءة الكتاب، أفضت إلى تبني قرار صرف النظر، من باب عدم التورط في ترويج قراءات إيديولوجية.

وفي إطار تمرير وجهة نظر شخصية، وعابرة، كانت الأولى والأخيرة من العمل، لم نحرر دراسة ولا حتى مقالة، وإنما اقترنا على نشر تدوينة عابرة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، موزعة بالكاد على  بضع أسطر، أشرنا فيها إلى أن هذا الكتاب سيكون له ما بعده، أقله أن العديد من الباحثين والكتاب الذين كانوا من المحسوبين على مشروع طه عبد الرحمن، سوف يأخذون مسافة من المشروع، وهذا ما تحقق فعلاً لاحقاً، ونحن بالكاد في المراحل الأول من مرحلة أخذ مسافة، دون أن يُفيد ذلك أن التحرر من المشروع وآثاره مسألة هينة، فهذا أمر صعب، ولا يتم بين ليلة وضحاها، على غرار الظاهرة التي نُعاينها مع الأعضاء الذين يتحررون من المرجعية الإسلامية الحركية ــ حيث اتضح كما اشتغلنا على ذلك في بعض المقالات ــ أن هذا الانفصال النظري والتنظيمي، لا يتم بين ليلة وضحاها، إضافة إلى أنه يكون مصاحباً بما اصطلحنا عليه بالضرائب أو المضاعفات، النفسية والروحية على الخصوص.

جاء ذلك الموقف النقدي العابر والمختصر في سياق التعبير عن الحق في الاختلاف، ومعلوم أن "الحق في الاختلاف" عنوان من عناوين أعمال طه عبد الرحمن، نذكر منها "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" أو "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري"، إضافة إلى أن المؤلف من مروجي أدبيات حول الحوار، ونقرأ فيها، على سبيل المثال لا الحصر، أن الأصل في الكلام الحوار، وأن الأصل في الحوار الاختلاف، وما إلى ذلك من تنظيرات، ذات صلة باجتهادات ومراجع غربية، أو تراثية.

إذا كان الأمر كذلك، فإن الموقف النقدي سالف الذكر يبقى تحصيل حاصل، قياساً أولاً على ما جاء في تلك الإشارات حول الحق في الاختلاف وحول الحوار وما إلى ذلك، وقياساً ثانياً على القاعدة الذهبية للإمام مالك، وهي القاعدة الأصل في الواقع.

الكتاب أعلاه مفتاح نظري للعمل بقاعدة الإمام مالك، وهذا هو الأصل في التعامل مع الجميع، ومن هنا أسباب نزول عنوان المقالة، والمأمول أن يكون تطبيق قاعدة الإمام مالك في تقويم أعمال طه عبد الرحمن، يقترب من مقام الموضوعية، ويبتعد بالطبع عن الشخصنة، لأننا نتحدث عن مناقشة أفكار ولا نتحدث عن مناقشة أشخاص. 

والله أعلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى