إعفاء الرجل الذي يهمس في أذن الرئيس.. هل بدأت منظومة تبون تتفكك؟
الدار/ تحليل
على بعد أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في شتنبر المقبل يهتز قصر المرادية على خلفيعة قرار إعفاء مدير التشريفات محمّد بوعكاز الذي اشتهر بهمسه في أذن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وكان وراء إخباره بعبارة “العشاء في الشيراتون” خلال انعقاد القمة العربية في الجزائر. محمد بوعكاز واحد من المستشارين الذين جلبهم تبون إلى قصر الرئاسة أقيل وفقا لبلاغ رسمي بسبب “ارتكاب أخطاء جسيمة ومخالفة أخلاقيات المهنة”. وعلى الرغم من أنّ البلاغ لم يقدم توضيحات إضافية حول أسباب هذه الإقالة إلا أن ما تسرّب من أخبار في مصادر إعلامية جزائرية يشير إلى أسباب مثيرة.
من بين الأسباب التي تداولتها هذه المصادر احتمالية تورّط محمد بوعكاز في علاقة مشبوهة مع نجلة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وهو الأمر الذي اكتشفه الرئيس متأخرا واضطر إلى إنهاء اعتماده على مستشاره الوفي. وسواء صحّ هذا الخبر أو لم يصحّ فإنّ السبب الواضح يرتبط أساسا بمشكلة الثقة. هذا المستشار يحتل منصبا حساسا للغاية ومن المرجّح أنّه لم يعد شخصا موثوقا به بالنسبة إلى منظومة تبون التي تضم مجموعة واسعة من الموظفين السامين الذين يُفترض أنّهم يدينون بالولاء للرئاسة ويأتمرون بأوامرها ويحرصون على الالتزام بمواقفها وقراراتها. وتأتي هذه الإقالة بعد زيارة أخيرة قام بها الرئيس الجزائري إلى مدينة خنشلة، وشهدت مجموعة من الأخطاء البروتوكولية والأمنية.
من بين هذه الأخطاء التي كانت واضحة في الصور التي تناقلها التلفزيون الجزائري تهافت المواطنين الجزائريين البسطاء على تقبيل يد الرئيس الجزائري، والحرص على الاحتكاك به والتقرّب منه، وهو مشهد يتكرر بالمناسبة في العديد من دول العالم بحكم أن الكثير من الجماهير تعبر عن حبّها لقادتها من خلال هذه الحركة التشريفية العفوية. كما شهدت هذه الزيارة خطأ فادحا ارتكبه أحد الحراس الشخصيين للرئيس عندما عمد إلى إزاحة رجل أمن كان يقف أمام سياج اصطف وراءه المواطنون عندما تقرّب الرئيس الجزائري منهم. ومن غير المستبعد أن الطبيعة المفبركة لأغلب هذه المشاهد في الجزائر قد تكون وراء هذا القرار بحكم أن ما ظهر لحظتها كان يتعارض تماما مع ما يحاول النظام الجزائري ترويجه بشأن العلاقة بين الرئيس ومواطنيه. بعبارة أخرى قد تكون الرئاسة قد اتخذت قرار تحميل بوعكاز مسؤولية المسرحية الفاشلة والمكشوفة التي شهدتها هذه الزيارة بعد أن خرجت عن السيناريو الذي كان مقرّرا لها، وهو إظهار الرئيس في حالة من التآخي والانسجام مع البسطاء.
لكن من المؤكد أيضا أن هذا الإعفاء له علاقة مباشرة بالتحضير للانتخابات المقبلة. يستعد الرئيس الجزائري إلى الدخول في هذا السباق الانتخابي بفضل دعم لا مشروط من الجيش الجزائري وقائده اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة. ومن المؤكد أنّ تحضير أرضية هذه الانتخابات تتطلب أيضا تطهير محيط الرئيس وفقاً لتصور نظام الكابرانات من كلّ العناصر التي يمكن أن تشوّش على هذه العملية، أو تدين بالولاء لأجنحة أخرى في السلطة الجزائرية. ومن المعروف أنّ هناك أجنحة أخرى في المخابرات والجيش والمؤسسة الأمنية لا تحبّذ كثيرا إعادة ترشيح الرئيس الحالي عبد المجيد تبون لعهدة ثانية وتحاول إثبات فشله على كافة الأصعدة والمستويات. فهل وقع بوعكاز ضحية هذا الصراع الانتخابي؟
قد يكون هذا الإعفاء جزء من هذه التحضيرات الانتخابية، لكنه يعبّر أيضا عن نهج يعكس حالة التفكك التي يشهدها هذا النظام بسبب موجة الإقالات والإعفاءات المُهينة في شتى الاتجاهات. ليست هذه هي أول مرة تتهم فيها الرئاسة الجزائرية موظفيها بمخالفة الأخلاق المهنية إذا سبق أن أقال الرئيس الجزائري في أبريل 2022، مستشاره المكلف بشؤون الجمعيات الدينية عيسى بن الأخضر، بسبب “خرقه واجب التحفّظ”. كما أقال في مارس 2022، وزير النقل عيسى بكاي، وذكر بيان الإقالة حينها أن القرار مرتبط “بارتكابه خطأً جسيم”. ويبدو هذا الأمر طبيعيا في ظل استمرار هيمنة العسكر على القرار السياسي في البلاد بعيدا عن الدور الحقيقي الذي يجب أن تؤديه المؤسسات بمختلف مجالات اختصاصها.