أخبار الدارسلايدر

لماذا يلح الكابرانات على عسكرة الحياة العامة في الجزائر؟

الدار/ تحليل

لماذا يصر رئيس الأركان الجزائري اللواء الأسير السابق على الحضور إلى جانب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في كل الأنشطة واللقاءات على غرار افتتاح المعرض الدولي بالجزائر؟ ما علاقة الجيش بافتتاح موسم الاصطياف الذي يدشَّن بشكل كاريكاتوري في جل الشواطئ الجزائرية؟ هل من الضروري أن يحضر لواء أو جنرال تدشين حديقة للأطفال في حي من الأحياء الجزائرية الهامشية؟ المشاهد التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي حول العلاقة الغرامية التي لا تنتهي بين العسكر ومناحي الحياة العامة في الجارة الشرقية تثير الكثير من الأسى والأسف على ما وصلت إليه هذه البلاد، وما يعانيه شعبها في ظل عقلية التحكم العسكرية.
ربما تعوّد بعض الجزائريين على هذا الحضور الطاغي لممثلي العسكر في مختلف المجالات، لكن مع ذلك يظل هذا الحضور نشازا حقيقيا ولا سيّما أن البلاد تعلن باستمرار عن وجود مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإعلامية ومدنية تنشط في إدارة مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك لا بد أن تكون بصمة العسكر متصدّرة للواجهة. في الماضي كانت المؤسسة العسكرية في الجزائر تحرص على التواري خلف الأنظار قليلا حتى لا تؤكد ما كان يروج حينها بشأن سيطرتها على مقاليد الحكم والسلطة، ولا سيّما إبان فترة العشرية السوداء التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الجزائريين في حرب ما تزال تفاصيلها غامضة إلى يومنا هذا.
لكن هذا القناع السياسي لم يعد ضروريا على ما يبدو في الوقت الحالي. بعبارة أخرى لم تعد المؤسسة العسكرية الجزائرية في حاجة إلى تبرير سيطرتها على السلطة بمساحيق المؤسسات الشكلية التي صنعتها وتتحكم فيها وتسيّر دُماها وعلى رأسهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. هيمنة العسكر على كافة مناحي الحياة في الجزائر أصبحت اليوم حقيقة معلنة لا تحتاج إلى تنكّر أو مواربة. بل يكاد النظام الحالي ينتقل إلى مرحلة الإنهاء الرسمي للتجربة الديمقراطية الشكلية والاستعاضة عنها علناً بإدارة عسكرية تسيطر على كافة القطاعات. لِم لا وقد أصبح الضباط والقادة العسكريون مسؤولين عن تدبير الشأن الرياضي والسياحي والترفيهي في البلاد أمام الكاميرات!!
والظاهر أن وراء هذا السفور العسكري المبالغ فيه رسالة ما تحرص المؤسسة العسكرية الجزائرية على إرسالها للداخل بالأساس. هذه الرسالة موجهة في الحقيقة للأصوات المعارضة الكامنة التي كانت تصدح في الساحات إبان حراك فيفري الشهير للمطالبة بإسقاط النظام السياسي الفاسد تحت شعار “يتنحاو كاغ”، وهو الحراك الذي انتهى بإزاحة بعض الرموز التي تظهر في الواجهة، مع الإبقاء على سيطرة المخابرات والجنرالات. ويبدو أن قيادة الكابرانات تحتفي في الآونة الأخيرة بهذا الانتصار على الشعب الجزائري، بعد أن تمكّنت من القضاء على كل النشطاء بالسجن أو التهجير أو التهديد أو حتى التصفية الجسدية والمعنوية والتشريد. والمنتصر الذي نتحدث عنه هنا لا يمتلك مروءة الفرسان، بل يحمل في قلبه غلا كبيرا لهذا الشعب المسحوق، ويرى أن الوقت قد حان كي ينتقم منه شر انتقام.
لهذا نرى كيف تحولت معاناة الجزائريين مع نقص المياه والطوابير الطويلة وغلاء الأسعار إلى موضوعات ثانوية، لا تشغل بال السلطات الجزائرية المشغولة بتدشين مواسم الاصطياف وإطلاق المشاريع الوهمية وإعلان الأرقام المضخّمة والإنجازات الزائفة. وما دامت سلطة العسكر متنفّذة ضد الجزائريين المغلوبين على أمرهم، من الطبيعي أن تخرج هذه السيطرة من التواري خلف الكواليس إلى القيادة العلنية والتسيير الرسمي، حتى أصبحنا نرى الرئيس “المنتخب” ملازما لقائد الأركان أينما حلّ أو ارتحل. وكيف لا نرى ذلك وقد نجح الكابرانات في عسكرة كل شيء في الجزائر، بما في ذلك عقول الكثيرين من ضحايا غسيل الدماغ اليومي.

زر الذهاب إلى الأعلى