أخبار الدارسلايدر

مأساة المهاجرين السريين في الجزائر تؤكد أن الداخل مفقود والخارج مولود

 الدار/ تحليل

المأساة الجديدة التي شهدتها صحراء الجزائر وأودت بحياة 12 مهاجرا سوريا اضطروا إلى قطع الطريق من ليبيا عبر السيارة برا تؤكد أن هذا البلد أصبح الأكثر عدوانية وطردا للوافدين والأجانب. قضى هؤلاء المهاجرون عطشا بعد أن ضلوا الطريق في هذه الصحراء، بينما كانوا يقطعون رحلة طويلة للهجرة نحو أوربا، ربما كانت ستقودهم إلى حدود المغرب أو إلى شمال الجزائر. لم يكتب لهم الوصول إلى وجهتهم فرارا من اضطهاد النظام السوري فسقطوا في أسوأ بقعة يمكن أن يدخلها مهاجر سري. فالنظام الجزائري الذي كان حريصا على الدفاع عن نظام بشار الأسد ويحافظ على علاقات طبيعية معه إلى يومنا هذا هو نفسه الذي يعد أكبر عدو للمهاجرين السريين في إفريقيا.
قبل أسابيع قليلة فقط عرضت وسائل إعلام إفريقية وأوربية صورا لمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتم طردهم عبر الحدود الجزائرية ورميهم في صحراء خلاء وتركهم نهبا للعطش والجوع والضواري في هذه المناطق ذات المناخ والطبيعة القاسية. وكشفت الجمعيات الحقوقية حينها أن النظام الجزائري اعتاد على طرد المهاجرين الأفارقة في ظروف مأساوية، عن طريق نقلهم في شاحنات كأنهم بهائم أو دواب ثم التخلي عنهم في وسط الصحراء ومطالبتهم بمغادرة التراب الجزائري دون تمكينهم من أدوات تقنية تساعدهم على الاسترشاد أو تمتيعهم باحتياجاتهم الأساسية من الماء والأكل والرعاية الصحية.
هذه المأساة نفسها هي التي حدثت اليوم في الجزائر لهذه المجموعة من المهاجرين السوريين، الذين عثرت جمعية من جمعيات الغوث على جثتهم في ظل غياب تام للسلطات الجزائرية. وكشفت الجمعية المذكورة أن هذه المجموعة من المهاجرين السريين كانوا قادمين من ليبيا على متن سيارة، قبل أن تتعطل مركبتهم ويقضون وسط الصحراء عطشا في ظل غياب أي عون أو مساعدة أو دعم. ألهذه الدرجة يمكن أن تكون أرواح المهاجرين السريين رخيصة؟ وهل كُتب على الشعب السوري أن يظل عرضة للقتل والاضطهاد داخل وطنه وخارجه؟ من المستغرب جدا أن يتغافل الجيش الجزائري الذي يدّعي سيطرة كاملة على ترابه الوطني عن هذه الحالات الإنسانية، ويتقاعس عن أداء واجبه الإنساني تجاهها!!
إذا كان الجيش الجزائري يدّعي باستمرار سيطرته التامة على التراب الجزائري ومكافحة كل أشكال الاتجار بالبشر والتهريب، ويزعم تحكّمه في المنافذ الشرقية المفتوحة على حدود ليبيا، فكيف يعقل أن يغفل عن مجموعة كبيرة من المهاجرين الذين لا شك أنهم طلبوا النجدة وحاولوا الاتصال بأقرب نقاط الدعم لإنقاذ أنفسهم؟ لقد أصبح الداخل إلى هذه الأرض مفقودا والخارج منها مولودا، كيف لا، والشعب الجزائري نفسه يعاني من إهمال وتجاهل منقطع النظير على كافة الأصعدة والمستويات. التفريط في المسؤوليات الأمنية والإنسانية ليس نهجا غريبا على هذا الجيش المنشغل بالاستعراضات المضحكة والتجمعات الفولكلورية التي لا تهمّ غير الحملة الدعائية للنظام.
لقد قضى المئات بل الآلاف من المهاجرين السريين في صحراء الجزائر بسبب عدم التزام هذا النظام بالاتفاقيات الدولية التي تحمي المهاجرين وتضمن لهم حقوقهم على الرغم من وضعهم غير القانوني. وتصرّ السلطات الجزائرية على اعتبار كل من يدخل أراضيها عدوا لا يستحق أي مساعدة أو دعم، بل تعتبر التخلص منه بالإهمال أو الترحيل العشوائي واللاإنساني حقا مشروعا ليس لأحد الحق في التشكيك به. وبينما تعبر العديد من الدول العربية والإفريقية عن انخراطها في الالتزامات الدولية التي تكفل للمهاجرين السريين حقوقهم وتضمن لهم ظروف الاستقرار والتمتع بحقوق المواطنين المحليين، لا يزال المهاجر السري في الجزائر يبحث عن حقه في البقاء والنجاة من المصير الأسود الذي ينتظره في هذه الأرض التي لا تقبل أحدا.

زر الذهاب إلى الأعلى