هل يحول دونالد ترامب محاولة اغتياله إلى رصيد انتخابي ساحق؟
الدار/ تحليل
من الواضح أن كل الظروف السياسية والأمنية الجارية في الولايات المتحدة الأميركية تصبّ في خدمة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. المناظرة الأولى بينه وبين منافسه الرئيس الحالي جو بايدن أظهرت تفوقاً واضحاً لرجل الأعمال والملياردير الشهير، كما أن الحالة الصحية المتردية للمرشح الديمقراطي أدت إلى تراجع كبير في شعبيته في أوساط حزبه، وانخفاض الثقة بإمكانية فوزه على منافسه. الإدارة المثيرة للجدل التي تعاملت بها واشنطن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أثرت في الدعم الذي يمكن أن يحظى به الرئيس الحالي. واليوم تنضاف محاولة الاغتيال التي تعرّض إليها دونالد ترامب لتزيد الطين بلة وتجهز على المزيد من حظوظ الرئيس الحالي جو بايدن.
دونالد ترامب رجل أعمال أولا وقبل كل شيء. وهو شخصية بارعة في ميدان التسويق وترويج الأفكار والمشاريع، وقد بنى من حوله إمبراطورية مالية واقتصادية بفضل هذه القدرة التي تميّز بها منذ شبابه. لقد كان منذ بداياته في المجال السياسي يدافع مثلاً عن حق الولايات المتحدة في تحصيل رسوم مالية مباشرة من الدول التي تحظى بحماية الجيش الأميركي. كما أنه أظهر خلال ولايته الرئاسية السابقة قدرة هائلة على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده، وإعادة تعزيز الفوائض المالية بفضل سياسته المباشرة في خفض النفقات التي لا يراها مجدية، واستقطاب تمويلات جديدة بفرض رسوم جمركية مثلا على بعض المنتجات الأجنبية.
لا ننسى كيف كان سببا مباشرا في إعادة مراجعة الاتفاقية التجارية مع الصين، والضغط عليها لتقديم تنازلات مقابل السماح لها بالاستمرار في تزويد الأسواق الأميركية بالعديد من المنتجات. وأكبر ميزة استفاد منها دونالد ترامب هي صراحته البالغة التي كان البعض يراها مجرد شعبوية لن تقوده أبدا إلى كرسي الرئاسة. لكن على ما يبدو فإن رياح السياسة تأتي بما تشتهيه سفن الملياردير المثير للجدل. وربما يكون الشاب الأميركي توماس ماثيو كروكس الذي نفذ محاولة الاغتيال قد منح ترامب رسميا بطاقة الفوز بالانتخابات الرئاسية المرتقبة في شهر نونبر المقبل. وما يزيد هذا الاحتمال اليوم هو أن محاولة الاغتيال تزامنت مع جدل واسع داخل الحزب الديمقراطي حول مدى أهلية الرئيس الحالي جو بايدن وقدرته على الاستمرار في تمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية.
من الواضح أن ظهور المؤتمر الجمهوري المرتقب في ولاية وسكونسن سيمثل فرصة تاريخية بالنسبة إليه لاستثمار نتائج محاولة الاغتيال، وإظهار نفسه باعتباره المرشح المستهدف من قوى التطرف وأعداء الشعب الأميركي ومصالحه. وإذا تذكّرنا أن ترامب شخص بارع في التلاعب بالكلام وتوظيف نظريات المؤامرة والتحدث صراحة بما يخفيه الآخرون في صدورهم، فهذا يعني أننا مقبلون على اندحار انتخابي واضح للديمقراطيين، مقابل صعود صاروخي لحظوظ الجمهوريين. وقد بدأت معالم هذا التقدم تظهر في الأفق بعد أن أظهرت الاستطلاعات مباشرة بعد محاولة الاغتيال تزايد حظوظ ترامب بنسبة 69 في المائة مقارنة بمنافسه.
السؤال الذي يطرح نفسه إذاً: كيف يمكن أن يستغل ترامب محاولة اغتياله بينما يجري نقاش ديمقراطي لاختيار مرشح بديل لبايدن؟ لقد أعلن ترامب اليوم أنه يستعد لملاقاة “الأمة الأميركية العظيمة” على حد قوله في تجمع وسكونسن. وهي إشارة واضحة إلى رغبته في تحويل هذا الحدث الأمني إلى فرصة لتوحيد الأميركيين بما في ذلك أولئك المحسوبين عادة على التيار الديمقراطي، ويميلون في الغالب إلى التصويت على مرشحيهم. والظاهر أن ترامب يريد أن يستغل المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الذي سيشهد اعتماد الحزب ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب رسمياً للسباق إلى البيت الأبيض المنتظر في نونبر هذا العام. وقد يتحول هذا المؤتمر من حدث تنظيمي داخلي إلى فرصة لتقديم الخطابات الحماسية الهادفة إلى استقطاب الأصوات الأخرى المحسوبة تقليديا على الديمقراطيين.
هذا ما أظهره منشور دونالد ترامب الذي أوردته وكالة “رويترز” نقلا عن منصة “تروث سوشال”. يقول ترامب: “في هذه اللحظة، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نقف صفا واحدا، ونظهر شخصيتنا الحقيقية كأمريكيين، ونحتفظ بما لدينا من قوة وإصرار”. تركيز ترامب على الوحدة والصف الواحد وهو الذي اعتاد سابقا قصف معارضيه دون إظهار أي تعاطف أو ضعف أو مهادنة، يعني أنه يرغب في جعل هذا المؤتمر إعلانا رسميا ليس فقط عن ترشيحه على مستوى الحزب، بل حسم حظوظه في الفوز بهذه الانتخابات، التي بدأها بالمناسبة مهدَّداً بالمتابعة القضائية وإمكانية الإقصاء بسببها. ومن هنا فمن غير المستبعد أن يواصل المرشح الجمهوري العمل على استنزاف الرصيد الانتخابي للرئيس الحالي من خلال الاستهداف المباشر للناخبين الديمقراطيين.