هل نسف حزب الله إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؟
الدار/ تحليل
العملية التي نفذها حزب الله واستهدفت قرية مجدل شمس السورية المحتلة أسالت الكثير من المداد نظرا إلى طبيعة الضحايا الذين كان أغلبهم من الأطفال والشبان المدنيين، علاوة على انتمائهم إلى طائفة الأقلية العربية الدرزية، ناهيك عن كون هذه القرية الواقعة في الجولان السوري المحتل، شكلت دائما رمزا للرغبة في مقاومة الاحتلال والتهويد. واليوم تستغل إسرائيل هذه العملية استغلالا إعلاميا كبيرا للتحضير لرد عسكري واسع النطاق ضد حزب الله، وتتحدث مصادر رسمية من الحكومة الإسرائيلية عن قرب اتخاذ قرار هذه الحرب التي كانت تل أبيب تتجنب الدخول فيها منذ 7 أكتوبر بسبب عدم رغبتها في فتح جبهة حرب إقليمية.
لقد شكلت المناوشات المحدودة النطاق بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ بداية الحرب على قطاع غزة فرصة لإسناد المقاومة الفلسطينية، ولا سيما في محطات المفاوضات التي دارت بين حركة حماس وحكومة بنيامين نتنياهو. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه المفاوضات تقترب من الإفراج عن اتفاق وقف إطلاق النار، تأتي عملية مجدل شمس في توقيت غير مناسب تماما لجهود إحلال السلام والتهدئة، ووقف العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ شهور طويلة. كأن تل أبيب كانت تنتظر تورط حزب الله في هذه النوعية من العمليات كي تبرر توسيع نطاق العدوان، والانتقال إلى حرب أخرى على الجبهة الشمالية، سيقع ضحيتها مرة أخرى المدنيون اللبنانيون.
قد يقول قائل إن هذه العملية التي أودت بحياة عدد من أبناء الطائفة الدرزية كانت مقصودة من حزب الله رغبة في استمرار الحرب، ونسف إمكانية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، لأن إيران على ما يبدو ترغب في الحصول على مزيد من المكاسب السياسية والدبلوماسية من هذه الحرب، خصوصا بعد انتخاب قيادة جديدة. لكن النتيجة المؤكدة التي ستنجم عن هذه العملية هي ضرب شرعية المقاومة باعتبارها خيارا وحيدا للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ونيل استقلاله وحريته. تتقن الحكومة الإسرائيلية تسويق المظلومية، وهذا ما فعلته في أعقاب هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حماس، وبفضل هذا الترويج الذكي استطاعت أن تحصل على الدعم المطلق من الدول الغربية، وتلقت ما أرادت من أسلحة وتمويل وغطاء سياسي.
واليوم من المؤكد أن حكومة نتنياهو كانت في حاجة إلى جرعة سياسية جديدة من أجل البقاء والاستمرار، ولا سيما في إقناع الشعب الإسرائيلي بجدوى هذه الحرب العدوانية على قطاع غزة. لقد وصل الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي مستوى عميقا، وبدأت الأصوات تتعالى من أجل وقف هذا العدوان، والتوصل إلى صفقة اتفاق لاسترجاع الأسرى وإنهاء القتال. لكن ما حدث في مجدل شمس سيُقدَّم للعالم على أنه دليل آخر على أن إيران ووكلاءها في المنطقة لا يريدون السلام ولا وقف الحرب، ومن ثمّ تستطيع الحكومة الإسرائيلية التغطية على جرائمها اليومية ضد الشعب الفلسطيني، وإلهاء العالم عمّا حدث في مجازرها ضد المدنيين في قطاع غزة.
بعبارة أخرى لقد قدّم حزب الله هدية لإسرائيل على طبق من ذهب، من أجل الحصول على المبررات الشرعية أمام المجتمع الدولي للاستمرار في العدوان واقتراف الجرائم ضد الإنسانية، ومواصلة حرب الإبادة التي تخوضها ضد الشعب الفلسطيني. دعم المقاومة قد يكون واجبا قوميا وشرعيا لكنه قد يتحول أحيانا إلى طعنة في الظهر عندما يكون غير محسوب العواقب، وبعيدا عن مراعاة المآلات التي يمكن أن تسير الحرب باتجاهها. من المرجح إذاً أن تزيد هذه العملية التي استهدفت مجدل شمس تعقيد تطورات الحرب على قطاع غزة، وربما أسهمت في إعادة المفاوضات مجددا إلى نقطة الصفر، خاصة أن حكومة نتنياهو تشترط أن يكون الاتفاق شاملا للجبهة الشمالية.