ما مدى مسؤولية النظام الإيراني عن مقتل إسماعيل هنية
الدار/ تحليل
يبدو أن اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران سيثير الكثير من الأسئلة وسيسيل الكثير من المداد، بسبب غرابة الحادثة وسهولة وقوعها في عقر دار هذا النظام، الذي يدعي منذ زمن طويل أنه قادر على مواجهة أمريكا وإسرائيل بما يمتلكه من ترسانة عسكرية وأمنية. من الغريب جدا أن تتم تصفية إسماعيل هنية مباشرة بعد وصوله إلى إيران للمشاركة في احتفالات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، على الرغم من أن السلطات الإيرانية تعلم جيدا أن رأسه مطلوب لإسرائيل، وأن جهاز الموساد يترصده أينما حلّ أو ارتحل. كما أن السذاجة الأمنية التي تم التعامل بها مع حضوره في طهران تثير الكثير من الأسئلة.
السؤال الأول الأكثر بروزا هو: لماذا سمحت السلطات الإيرانية لرئيس حركة حماس بالتجول في العاصمة الإيرانية والاحتكاك بالعديد من المسؤولين والمنتخبين الإيرانيين، بل الانغماس وسط جموعهم بشكل لا ينطوي على الحد الأدنى من الاحتياطات الأمنية؟!! من المعروف أن إسرائيل تمتلك التكنولوجيا الكفيلة برصد الأشخاص المطلوبين في أيّ موقع من المواقع في العالم، ويكفي أن يلصق أحد العملاء خيطاً رفيعاً يحتوي جهاز تتبع واقتفاء الأثر كي تعرف الأجهزة المخابراتية والجيش الإسرائيلي مسار تحرك الشخص المطلوب. عندما يلتف العشرات من الإيرانيين حول إسماعيل هنية في أثناء الاحتفال بتنصيب الرئيس الإيراني دون أخذ أيّ إجراء احترازي، فهذه سذاجة أمنية لا يمكن أبدا فهمها في السياق الحالي.
السؤال الثاني يتعلق بالرواية الإيرانية ومدى مصداقيتها. تقول السلطات الإيرانية إن إسماعيل هنية قتل بصاروخ أطلق من خارج الأراضي الإيرانية. تبدو هذه الرواية أيضا مثيرة للشكوك، ويرى بعض المحللين أنها محاولة من السلطات الإيرانية للتغطية على فشلها الأمني في حماية قائد حركة حماس فوق أراضيها. إذ من الصعب جدا أن يستهدف صاروخ قادم من على بعد مئات الكيلومترات بناية محددة ويصيب الهدف بهذه الدقة البالغة، إلا إذا تعلق الأمر بمقاتلة جوية كانت تحلق فوق مكان تواجده. كما أن السلطات الإيرانية لم توضح أبدا مسار هذا الصاروخ ولا البلد المجاور الذي أطلق منه، وهذا ما يُضعف هذه الرواية ويؤكد ارتباك السلطات الإيرانية وعجزها عن تقديم تفسير واضح ودقيق.
السؤال الثالث تفرضه الرواية البديلة التي تحدثت عن اغتيال إسماعيل هنية باستخدام قنبلة زرعت في مكان إقامته قبل أسابيع. أولا كيف علمت الجهات التي زرعت القنبلة أن إسماعيل هنية سيقيم في هذا المكان عند زيارته لطهران؟ وهنا أيضا تتحمل السلطات الإيرانية مسؤولية كاملة في إساءة اختيار المكان. هل يُعقل أن يقيم رئيس حركة حماس المطلوب لإسرائيل في سياق استمرار الحرب في مقر لقدماء المحاربين؟ لقد كان من المفروض أن يظل مقر إقامته محاطا بالسرية وأن يكون بعيدا تماما عن أيّ اختلاط أو احتكاك بالآخرين. الشروط الأمنية كانت تقتضي أن يُنقل هنية إلى موقع آمن جدا شبيه بالأماكن التي تخصص للرؤساء في حالات الطوارئ الأمنية.
السؤال الرابع المثير أيضا للكثير من الشكوك هل كان أصلا على إسماعيل هنية أن يتنقل إلى إيران للمشاركة في احتفالات تنصيب الرئيس الإيراني؟ في ظل استمرار الحرب وحالة الطوارئ الأمنية الشديدة لم يكن من الضروري أن يشارك الرجل الأول في حركة حماس في هذه الاحتفالات ويغادر الدوحة وهو يعلم أنه مستهدف في أيّ لحظة. لذا؛ فإن انكشاف المزيد من المعطيات قد يظهر بالملوس أن رأس هنية ربما كان هو الثمن المطلوب للتقدم في المفاوضات نحو إبرام صفقة التبادل ووقف إطلاق النار. هذه الأسئلة التي تثيرها حادثة الاغتيال تضع النظام الإيراني في موقع حرج، وتتطلب أن يقدم الإجابات الكافية والشافية، بدلا من التلويح بالرد المناسب الذي لا أحد يعلم متى سيأتي، وهل سيكون باتفاق مسبق مع إسرائيل مثلما حدث في المرة الماضية.