رفاق حكيمي.. انتماء وطني ونواة جديدة لمنتخب كبير
الدار/ تحليل
كم من الشكر يكفينا لمكافأة عناصر المنتخب الوطني الذين شرفوا الرياضة الوطنية على الرغم من الخسارة القاسية وغير المتوقعة أمام إسبانيتا؟ أليس علينا أن نرد إليهم الاعتبار في ظل الفشل الصارخ في شتى الأصناف المشاركة في أولمبياد باريس؟ من المؤكد أن ما قدمه زملاء حكيمي في مباراة اليوم أمام المنتخب الإسباني ذكّرنا من جديد بمشاهد عشناها بحماس وشغف كبيرين خلال مونديال قطر. صحيح أننا خسرنا المباراة، لكن منتخبنا سيطر عليها واستحوذ على الكرة وكان الأقرب إلى الفوز في كل لحظات المباراة. بعيدا عن تحليل مكامن الخلل وأسباب الفشل، من المفيد لنا في المرحلة الراهنة أن نركز على المكاسب التي حققها هذا المنتخب، وتلك التي يمكن أن يحققها لمستقبل كرة القدم الوطنية.
لقد اتضح أننا كسبنا نخبة وطنية ذكرتنا إلى حد كبير بما شاهدناه من قتالية واندفاع واستماتة مونديال قطر 2022 ومنحتنا الأمل في النصر والتتويج باللقب. وما حدث يؤكد مجددا أن نجاحات الكرة المغربية في الوقت الحالي ليست مجرد ضربة حظ أو رهان مصادفة. هناك عمل تقني جبار بذله المشرفون على كرة القدم الوطنية من أجل بناء نخبة وطنية بهذا المستوى الذي نتابعه في باريس. ونحن نؤكد أنه عمل تقني لأننا نعلم أن النقطة المفصلية التي حسمت هذا النجاح هي عملية انتقاء اللاعبين واختيارهم من بين عشرات المواهب التي حظيت بفرصة المتابعة من المدربين والتقنيين وكشّافي المواهب، ولا سيّما في الملاعب الأوربية بإسبانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وغيرها.
العنصر الآخر الدال على هذا النجاح هو القدرة على تطعيم هذه النخبة ببعض اللاعبين من الدوري المغربي أو من المحترفين الذين يلعبون في دوريات خليجية وعلى رأسها اللاعب سفيان رحيمي. نحن مدينون للاعبين بالتضحيات الهائلة التي قدموها على أرضية الملعب وعلى رأسهم اللاعب أشرف حكيمي، لكننا لا يمكن أن نبخس الإدارة التقنية والإشراف الفني حقه في إعادة الاعتبار والتنويه. وهناك عامل واضح لعب دورا كبيرا فيما شاهدناه من مستوى تنافسي كبير خلال منافسات الأولمبياد. إنه الجانب المعنوي الذي يتجسد في روح الانتماء الاستثنائية التي عبّر عنها هؤلاء اللاعبون. على الرغم من أن أغلبهم ولد في الديار الأوربية إلا أننا انبهرنا بهذه الروح الوطنية العالية التي تسكنهم، وجعلتهم يتعاملون مع المشاركة في أولمبياد باريس باعتبارها معركة من معارك الوطن الحاسمة التي ينبغي أن ترتفع فيها راية المغرب، وتعلو خفاقة، وينتقل الفوز والانتصار إلى صف المغرب.
أن يأتي هذا الزخم الهائل من الوطنية من لاعبين شباب ما يزال أغلبهم في بدايات المشوار الرياضي، يزيد هذا إنجاز الوصول إلى نصف نهائي الأولمبياد تميزاً، ويجب ألّا ننسى أنه يظل إنجازاً غير مسبوق في تاريخ المشاركات الأولمبية، وهذا ما يجعله مصدراً حقيقياً للفخر والزهو بما حققه رفاق حكيمي، ولا سيّما إذا انتهى المسار بالحصول على المرتبة الثالثة وحصد الميدالية النحاسية. لقد كان منتخبنا اليوم قاب قوسين أو أدنى من الفوز، وحُسمت النتيجة بتأثير من تفاصيل تقنية دقيقة جدا أهمها عدم التزام بعض اللاعبين بالواجبات الدفاعية. على الرغم من هذه النتيجة يمكننا أن نقول بكل ارتياح أن هذه التشكيلة التي بنتها الإدارة التقنية تشكل نموذجا ملهما بكل ما في الكلمة من معنى. من المهم جدا أن نتعرف إلى سرّ التحضير المعنوي والنفسي الذي يمتلكه منتخبنا الوطني، لأننا في حاجة فعلا إلى استنساخه ونقله إلى ميادين رياضية أخرى. لكن المكسب الكبير الذي حصلنا عليه اليوم في أولمبياد باريس هو التعرّف إلى جيل جديد من اللاعبين الذين سيحملون راية المنتخب الوطني عالية في المنافسات القادمة في منتخب الكبار.