مع تقرير المصير في الصحراء وضده في القبائل.. ازدواجية الخطاب التي فضحت الكابرانات
الدار/ تحليل
“الجزائر ترفض تقرير المصير في منطقة القبائل وتطالب به في الصحراء المغربية” هذا هو ملخص المفارقة التي أبرزها عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، في رسالة جوابية إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، عقب التصريح الاستفزازي والمضلل والمغلوط للأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية حول قضية الصحراء المغربية خلال اجتماع للمجلس. هذا التناقض الصارخ بمنطق “حلال علينا حرام عليهم” يُظهر إلى أي حد يغرق نظام الكابرانات في حالة الانفصام السياسي والدبلوماسي المفارق للواقع والمنطق والتاريخ. من كان بيته من زجاج فيجب ألّا يحذف الناس بالطوب، ومن كان يهضم حق شعب عريق مثل الشعب الأمازيغي فلا شرعية له في المطالبة بتقرير مصير شعب آخر.
المندوب الجزائري كان يعبر كما العادة، عن كراهية بلده للمغرب وهوسه المرَضي بالصحراء المغربية وفقا لما أكده عمر هلال. وهذا الهوس هو الذي يدفع هذا النظام إلى تجاهل الواقع والقرارات الأممية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 1514 الذي تحدث عن سبل تقرير المصير في صيغة الالتحاق الحر أو الاندماج، مع التأكيد على أهمية حفظ الاستقرار وضمان سلامة ووحدة دول المنطقة التي تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة. لذا، من المفيد تذكير من يتناسى بسرعة ويغفل عن الواقع الدولي الجديد الذي يتميز بدينامية داعمة للوحدة الترابية للمغرب حرصا على الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.
شعب القبائل العريق يطالب بتقرير مصيره أيضا منذ سنوات ومن حقه أن يحصل على هذا الحق ويتمتع به، وفقا لمنطق النظام الجزائري نفسه الذي يجد كل المبررات والدواعي والذرائع للترويج لأطروحة الانفصال في الأقاليم الجنوبية لكنه يرفض تماما الإصغاء إلى أصوات المظلومين المقهورين في جبال القبائل. لقد كان عمر هلال دقيقا جدا في كلامه عندما وصف موقف الجزائر بأنه “ماكروانتقائي”، بمعنى أنه ينطوي على ازدواجية مكشوفة في الخطاب. وهذه الازدواجية ليست جديدة على هذا النظام الذي لا يهمه أساسا لا تقرير المصير ولا دعم الشعوب المظلومة ولا إحقاق الحقوق، كل ما يشغل بال هذا النظام يوميا هو الإساءة إلى بلادنا وتهديد وحدتها واستقرارها.
هذه هي الحقيقة الساطعة الواضحة التي لا يريد الكابرانات التصريح بها. كل ما في الأمر هو تصريف لعداء وحقد تاريخي ضد المغرب، ووهْم منافسة حول القوة والزعامة في المنطقة لا أقل ولا أكثر. لكن يبدو أن هذا النظام بدأ يقع في شرّ أعماله. ليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها السفير عمر هلال قضية شعب القبائل في هيئة الأمم المتحدة واجتماعات مجلس الأمن. ولن تكون هذه المرة الأخيرة. قضية شعب القبائل وتقرير مصيره قضية قومية وإنسانية من الطبيعي أن تدعمها بلادنا ولو سياسيا وإعلاميا على الأقل. ليس في إطار الرد على دعم الكابرانات لمنطق الانفصال في الأقاليم الجنوبية، وإنما لأنها قضية مشروعة وحق تاريخي، ومظلومية قديمة يجب أن تعالج.
ومن المؤكد أن هذا الموقف الشجاع والإنساني الذي يعبر عنه سفير بلادنا في الأمم المتحدة لن يتوقف عند حدود التراشق أو الردود والتصريحات، نحن نطالب اليوم السلطات المغربية بتبني قضية تقرير مصير الشعب القبائلي تبنيا رسميا، ودعمها بكل ما يلزم من غطاء سياسي ودبلوماسي وتأطير مادي وبشري. وجعل المسارات الدبلوماسية لبلادنا كلها في خدمة قضية هذا الشعب المقهور الذي يعاني الأمرين منذ عقود طويلة على يد قادة عسكريين متعطشين للدم والعنف والاضطهاد. وابتداءً من هذا اليوم التاريخي الذي يصادف ذكرى استرجاع إقليم وادي الذهب يجب أن تصبح القضية القبائلية شغلا شاغلا للدبلوماسيين والمندوبين المغاربة في كافة الهيئات الأممية والدولية، وهم قادرون على تحقيق اختراق مهم في هذا الملف ومفاقمة عزلة الكابرانات الذين خسروا كل المعارك الدبلوماسية في مواجهة المغرب. وبدلاً من أن تظل المواجهة خارج التراب الجزائري سيفهم قادة هذا النظام معناها الحقيقي عندما تنتقل إلى داخل حدود المستعمرة الفرنسية السابقة.