هل دقت ساعة الحقيقة وحان موعد اتفاق وقف إطلاق النار؟
الدار/ تحليل
توفرت الشروط وانتفت الموانع التي يمكن أن تحول دون التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في غزة. وصل الطرفان إلى مرحلة متقدمة من الإرهاق العسكري واللوجستي ومثلما تعرضت حركة حماس لضغط بالغ وصل مستويات تدمير قياسية، يعاني الجيش الإسرائيلي حالة استنزاف يومي مرهقة أدت إلى هبوط حاد في معنويات الجنود. على أرضية الميدان لم تتغير وقائع المواجهة كثيرا. تحتفظ حماس بالأسرى وتحافظ في الوقت نفسه على جاهزيتها القتالية بينما تظل قيادة كتائب القسام في مأمن قادرة على توجيه المعركة. في المقابل دمرت إسرائيل قطاعا واسعا من مدينة غزة وتسببت في أسوأ كارثة إنسانية تشهدها الألفية.
هذا يعني بعد مرور أكثر من 10 أشهر أن كل الظروف أصبحت مواتية لعقد اتفاق لوقف إطلاق النار في المفاوضات التي بدأت يوم أمس وتتواصل اليوم. ما يزيد فرص التوصل إلى هذا الاتفاق هو تراجع التأثير الشعبي لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة ولا سيما مع استمرار الفشل العسكري في تحقيق الأهداف المعلنة. استمرار الحرب يعني بالنسبة إلى هذه الحكومة التعرض إلى مزيد من الضغوط من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين فقدوا مع مرور الوقت الأمل في عودتهم أحياء. وفقدوا أساسا الثقة في قدرة حكومة الحرب على تحقيق هذا المبتغى، بعد أن اقتربت الحرب من إكمال عامها الأول. إذا كان الفشل هو عنوان هذه المرحلة فما الذي يمكن أن ينتظره الرأي العام الإسرائيلي من بقية المواجهة؟
هناك عامل آخر قد يكون له دور أساسي في نجاح جولة المفاوضات الحالية. إنه تهديد الحرب الإقليمية مع إيران. يبدو أن اغتيال اسماعيل هنية في طهران كان هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل انخراط إسرائيل بحماس وإيجابية في المفاوضات. كما أن تقاعس إيران عن الرد الذي وعدت به إلى يومنا هذا جزء من صفقة يتم تحضيرها تقبل فيها إسرائيل وقف إطلاق النار مقابل تهدئة إيرانية شاملة لكل الجبهات، دون رد يهدد الأمن الإقليمي. ومن المؤكد أن ما قدمته إيران من إشارات منذ اغتيال هنية يسير في هذا الاتجاه، لتجنيب المنطقة حربا شاملة قد يتضرر منها وكلاء طهران وعلى رأسهم حزب الله.
إذا كانت هذه الصفقة الوشيكة ذات حسابات إقليمية واسعة فمن المؤكد أيضا أنها ستتأسّس على تنازلات من الطرفين، لكن التنازلات المتوقعة من حماس قد تتضمن معطيات مستجدة، على غرار طرد الأسرى الفلسطينيين المحررين من السجون الإسرائيلية خارج قطاع غزة، والاحتفاظ بالسيطرة العسكرية على محور فيلادلفيا. لقد كان نتنياهو خلال جولات المفاوضات السابقة يصر على مطالب من هذا النوع في آخر لحظة لإفشال المفاوضات، لكنه نجح في تحويلها إلى خيارات ثابتة في تصور المفاوض الإسرائيلي، ويمكن أن تكون في نظره الظرفي بمثابة انتصار في المواجهة مع حماس. ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وتراجع دعم الديمقراطيين يمكن أن يلعب نتنياهو في الوقت الحالي آخر أوراقه قبل مرحلة المحاسبة المتوقعة.
نحن مقبلون إذا على أيام بل ربما ساعات حاسمة ستحدد مصير مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين المنهكين تحت وطأة الحرب. لكن أهمية هذا الاتفاق المرتقب لا تكمن في تأثيره المباشر على استقرار المنطقة واستعادة الهدوء ومساعدة المدنيين بل في تأثيره على المدى البعيد في قواعد الاشتباك وطبيعة الصراع الدائر في المستقبل. لقد أرادت إسرائيل تغيير هذه القواعد جذريا وفرض حدود جديدة لا يمكن تغييرها بسهولة. لكن مع ذلك فإن ما تنتزعه المقاومة اليوم على مستوى استنزاف الجيش الإسرائيلي يبوئها موقعا مريحا في جولة المفاوضات الحالية.