زراعة القنب الهندي.. عفو ملكي يطوي صفحة إنسانية ويفتح بوابة الدينامية التنموية
الدار/ تحليل
الدولة المتسامحة تبحث باستمرار عن مسارات التصالح والرأفة وجبر الضرر والعفو عن السجناء أحد أهم المداخل التي توظفها الدول من أجل فتح مجال السلم الاجتماعي وتكريس الوئام بين مختلف أركان المجتمع، واسترجاع ثقة المواطنين في مؤسساتهم وهيئاتهم الرسمية. والعفو الذي أقرّه جلالة الملك لصالح عدد من مزارعي نبتة القنب الهندي يمثل في اللحظة الحاضرة التفاتة غاية في الأهمية بالنظر إلى أن منطقة الريف والأقاليم المعنية بزراعة هذه النبتة تشهد تحولات سوسيواقتصادية مهمة منذ أن تم تقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية قبل سنتين. ومنذ أن أصدرت الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي رخص تحويل هذه المادة وتصنيعها أصبح لدى بلادنا رهان كبير على هذه الرافعة التنموية.
لكن لا يمكن أبدا أن تنطلق عملية تنمية الأقاليم الجبلية المعنية بزراعة القنب الهندي وهناك مئات بل آلاف من المواطنين المتابعين قضائيا أو السجناء على خلفية زراعة هذه النبتة في ملفات سابقة أو الفارين المطاردين من العدالة. إنهاء هذه الحالات الشاذة التي كانت تعمل في إطار غير مشرّع يمثل فرصة لفتح صفحة جديدة في المنطقة ومساعدة الساكنة المحلية على الاندماج في الدورة الاقتصادية الجديدة التي فتحها هذا النشاط القانوني، من خلال خلق التعاونيات الخاصة بالزراعة والتحويل والصناعة والبحث عن أسواق الاستقبال في الدول الأخرى. هذه الديناميكية التنموية لا يمكن أن تستقيم دون ديناميكية إنسانية وحقوقية موازية.
ولعلّ العفو الملكي الذي جاء في توقيت مناسب جدا يضرب عصفورين بحجر واحد. هناك أولا مستفيدون من السجناء والمتابعين الذين سيعودون إلى أهاليهم وذويهم ويستعيدون حياتهم الطبيعية، وهناك ثانيا المجتمع الجبلي الذي يجب أن يتعوّد على ثقافة العمل في إطار مشروع وقانوني فيما يتعلق بزراعة القنب الهندي الموجه أساسا للصناعات الصيدلانية. هذا النوع من التحويل لهذه النبتة يمثل وحده سوقاً واعدة للغاية تحفل بفرص الاستثمار والتنمية، وقادرة على تحقيق معدلات نمو هائلة في هذا الميدان. وبدلا من أن يقتصر الأمر على مجرد الإفراج عن بعض الحالات الإنسانية يمكن أن يتحول هذا الحدث إلى سياق وطني للتفكير في الكيفية المناسبة لاغتنام هذه الدينامية.
العفو إذاً إشارة ملكية مهمة لمن يهمّه الأمر ولكافة المتدخلين في هذا الشأن سواء تعلق الأمر بالساكنة المحلية أو المجتمع المدني أو المسؤولين الترابيين أو القطاعات الحكومية المعنية بهذا الملف. يجب أن يتحوّل هذا الشأن القضائي والأمني إلى مجرد تاريخ وقصص للعبرة فقط، وأن تتحوّل زراعة القنب الهندي إلى منحاها الطبيعي والقانوني الذي يأمن فيه أهل هذا النشاط الزراعي دون أن يخشوا على أنفسهم من المتابعة أو العقوبات السجنية أو الاختفاء أو الفرار لأنهم لا يجدون مورد رزق غير هذا النشاط. وهذا هو المعنى العميق للدولة المتسامحة التي نتحدث عنها باستمرار. إنها تراعي هذا البعد الإنساني الذي يحتاج إلى تكريس تام ونهائي بمجرد طيّ هذا الملف.
يبقى على المجتمع المعني بهذا النشاط أن يستوعب اليوم هذه الرسالة البليغة وينخرط بنشاط وهمة في هذا الورش التنموي الهائل، الذي يمكن أن يتحول إلى مورد رزق آمن وكافٍ، وجسر بين هؤلاء المزارعين الباحثين عن لقمة العيش الكريمة ومؤسسات الدولة التي تريد تثمين هذا القطاع، وجعله مصدر ثروة ينعم بها الجميع. ولعل الدور الذي سيلعبه المجتمع المدني في هذا الإطار يعد حاسماً جدا، ولا سيّما بعد أن أضحت التشريعات والقوانين المنظمة واضحة وصريحة، علاوة على أنظمة الدعم الموجهة للفلاحين الذين بإمكانهم اليوم الحصول على مساعدات تشمل البذور وإنشاء التعاونيات وتجهيز الأراضي بأجهزة الريّ والبحث عن منظومات التسويق المضمونة والمربحة. العفو الملكي يمثل إذاً طياً لصفحة من المعاناة والألم وفتحاً لصفحة جديدة ملؤها الأمل والطموح والفرص.