السفيرة الأميركية تسائل عطاف وتبون يختفي عن الأنظار
الدار/ تحليل
لم يتأخر الاستفسار الأميركي للسلطات الجزائرية بعد تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي دعا فيها إلى فتح حدود قطاع غزة مع مصر. بعد أيام قليلة فقط التقت السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور نظيرها الجزائري أحمد عطاف، وبدا أن السياق الذي جاء فيه هذا اللقاء الذي لم يكن مبرمجا من قبل هو هذه الحماقات التي أدلى بها تبون في سياق حماسه الانتخابي استعدادا للترشيح للعهد الثانية. والذي يؤكد أن هذا اللقاء كان مجرد “تقريع” للمسؤول الجزائري من أجل ضبط لسانه هو بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية الذي أفاد أن اللقاء انصب بالأساس على التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط.
فقد ذكر البلاغ أن وزير الخارجية الجزائري استقبل بمقر الوزارة، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية و”إضافة الى المسائل المُتعلقة بالتعاون الثنائي، سمح اللقاء ببحث مُستجدات الأوضاع على الصعيدين الدولي والإقليمي، لاسيما التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة”. وأشار البلاغ إلى أن أحمد عطاف أكد التزام الجزائر، من موقعها كعضو غير دائم بمجلس الأمن “بدعم كافة الجهود الرامية إلى تفعيل وقف فوري ودائم ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة، والمُساهمة في بلورة حلول سلمية لمختلف بؤر الأزمات والنزاعات التي تشهدها فضاءات انتماء بلادنا”.
ولعل العبارة الأخيرة التي تضمنها هذا البلاغ تؤكد أن اللقاء كان عبارة عن محاولة اعتذار وتوضيح لتصريحات الرئيس عبد المجيد تبون. فالحديث عن “بلورة حلول سلمية لمختلف بؤر الأزمات والنزاعات التي تشهدها فضاءات انتماء بلادنا”، إشارة صريحة إلى أن حديث تبون عن فتح الحدود والتهديد بما سيأتي بعد ذلك كان مجرد عنتريات فارغة لا طائل من ورائها، ولا تمثل موقف الدولة الجزائرية الحقيقية، التي يجسدها العسكر. تبون مجرد مبعوث يجب أن ينقل إملاءات المؤسسة العسكرية الحاكم الفعلي في الجزائر، وتصريحاتُه المتحمسة في سياق الحملة الانتخابية لا تمثل أبدا سياسات الكابرانات الذين يدركون طبعا أن التهديد بالمواجهة مع إسرائيل مجرد ذر للرماد في العيون ومحاولة لكسب تعاطف الناخبين الجزائريين.
ومن الواضح أن حملة التوضيح التي أطلقها الكابرانات بعد هذه التصريحات لشرح مقصود عبد المجيد تبون لم تكن كافية على ما يبدو، إلى درجة الاضطرار لعقد لقاء مباشر مع السفيرة الأميركية وبحضور وزير الخارجية الجزائري نفسه من أجل تأكيد انضباط السلطات الجزائرية، والتزامها بتجنّب أي مغامرة أو تورط في مواجهة لا تقدر عليها. الجيش الجاهز إذا فتحت حدود غزة في نظر تبون هو نفسه الذي يكذّبه اليوم، ويحاول من خلال وزير الخارجية تقديم الاعتذار اللازم للولايات المتحدة الأميركية، وإصلاح ما أفسده الرئيس الدمية يوم الأحد الماضي في قسنطينة. والذي يؤكد ذلك هو أن الملاحظ أن عبد المجيد تبون دخل فترة صمت منذ ذلك اللقاء الانتخابي الذي أطلقه فيه تصريح الورطة.
يخضع إذاً عبد المجيد تبون إلى عملية تقريع شديدة من قيادات العسكر الذين لا يريدون الوقوع تحت طائلة المحاسبة الأميركية، ولا سيّما بعد أن منحوا الثقة للرئيس الحالي من أجل خوض الانتخابات والسعي وراء عهدة رئاسية ثانية. فإذا كان تبون هو المرشح المفضل للعسكر بالنظر إلى أنه رئيس عديم الشخصية ورجل طيّع من الممكن السيطرة عليه وتوجيهه، لا يمكنه في المقابل أن يقطع شعرة الصلة القائمة بين هذا النظام والإدارة الأميركية بسبب تصريحات متحمسة ورعناء بأهداف انتخابية وشوفينية سرعان ما تحولت إلى ورطة حقيقية. ولعل اختفاء تبون عن واجهة التصريحات منذ يوم الأحد الماضي دليل إضافي على أنه مجرد دمية في يد الكابرانات الباحثين عن استمرارية النظام بعيدا عن أيّ بطولات وهمية يدركون هم قبل غيرهم أنها لم تعد تنطلي حتى على الأطفال.