نكتة اغتيال تبون.. فبركة مخابراتية لتلميع صورة رئيس ضعيف
الدار/تحليل
قرار السلطات الجزائرية إغلاق جريدة محلية لأنها نشرت مقالا حول مؤامرة تستهدف اغتيال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من طرف قوى خارجية، مجرد مسرحية مكشوفة وسمجة. يعلم المواطنون الجزائريون قبل غيرهم أن العنوان الشعبوي والدعائي الذي حاولت هذه الصحيفة الخروج به ليس سوى محاولة جديدة للتغطية على فضيحة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي شهدت عزوفاً تاريخياً من الناخبين الجزائريين، وكارثة على مستوى إعلان أرقام النتائج، علاوة على الارتباك الكبير في إدارتها والترويج لها. ومن الواضح أن أصابع المخابرات الجزائرية تقف بطريقة مفضوحة وراء هذه المسرحية الجديدة.
تتهم الصحيفة وفقاً لما تسرّب من مقالها المذكور جهات أجنبية بالتخطيط لاغتيال الرئيس، وتربط بين هذه المؤامرة والقضية الفلسطينية. ويبدو هذا الملف الذي تم تكليف هذه الصحيفة بالترويج له ثم اتخاذ وزارة الاتصال الجزائرية قرار توقيفها ومنعها من النشر ملهاة إعلامية جديدة لصرف انتباه الرأي العام الجزائري عن انتقال البلاد إلى عهدة ثانية للرئيس الحالي في ظل استمرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية نفسها. وتأتي قصة محاولة الاغتيال المفضوحة في سياق آخر يتعلق بمشهد مهين ظهر فيه مدير الديوان الرئاسي بوعلام بوعلام وهو يمسك الرئيس من ذراعه ويجرّه إلى جانبه في حركة تتناقض تماما مع ما يقتضيه البروتوكول باعتبار مدير الديوان مجرد موظف لدى الرئيس.
عندما يظهر رئيس البلاد بهذا المنظر المهين أمام كاميرات التلفزيون ويشاهد ملايين الجزائريين هذا المشهد، فمن الطبيعي أن تلي ذلك محاولات لتلميع صورة الرجل، وإظهاره بمظهر البطل القومي الذي يضع حياته عرضة للخطر من أجل الجزائر. صحيح أن وزارة الاتصال قررت إيقاف نشر الصحيفة التي تضمنت هذا الخبر، لكن المطلوب على المستوى التواصلي والإعلامي قد تحقق. بمعنى أن الترويج لخرافة وقوف النظام الجزائري إلى جانب القضية الفلسطينية وتآمر العالم على هذا النظام وعلى قيادته رسالة تم تبليغها عن طريق هذا الخبر المحظور. لكن استمرار هذا النوع من التواصل السلبي يؤكد أن نظام الكابرانات في وادٍ، والشعب الجزائري في وادٍ آخر. لا يزال النظام غارقا في وادي الدعاية والبروباغندا والكذب المفضوح، بينما ينتظر الشعب الجزائري من قيادته التركيز على المشكلات والمعضلات الحقيقية التي يعانيها في حياته اليومية.
فعلى الرغم من محاولات ترقيع الصورة المشروخة للرئيس الضعيف والدمية، تبدو جهود النظام كأنها تذهب سدىً لأن الأمر لا يتعلق بحادثة عابرة، بل بتراكم العديد من المشاهد والمواقف التي بدا فيها الرئيس الحالي مجرد خادم وفيّ لإملاءات المؤسسة العسكرية. ومهما حاول هذا النظام اختلاق المؤامرات التي تستهدف عبد المجيد تبون ستظل صورة الرجل مرتبطة بالمواقف الكاريكاتورية التي كشفت ضعف شخصيته وقلة كفاءته وعدم قدرته على إقناع الناخبين الجزائريين بالمنطق والإنجاز، بدلا من الترويج لأكاذيب الذكاء الاصطناعي ووعود الإنجازات الكرتونية. الرئيس الجزائري آخر مسؤول في الدنيا يمكن أن يتعرّض إلى محاولة اغتيال لأن الجميع يدرك ببساطة أنه حاكم لا يحكم شيئاً.
الحاكم الفعلي في الجزائر هو قائد الأركان السعيد شنقريحة ومجلسه العسكري، وعبد المجيد تبون مجرد منفذ وناقل للسياسات العامة التي يمليها الجيش. وصورته المهينة إلى جانب رئيس ديوانه بوعلام بوعلام أكبر دليل على أنه لا يقدم ولا يؤخر، ومن ثمّ فإن الادعاء بأنه هدف لمؤامرات خارجية يمثل نكتة سمجة وسخيفة جدا، سرعان ما ستتحول إلى صورة كاريكاتورية ستلاحقه على مدار العهدة الثانية التي بدأها، حتّى لو حاول النظام التبرؤ منها عن طريق وقف إصدار الجريدة المعنية. إن هذه النكتة التي تم الترويج لها إذاً ليست سوى فبركة مخابراتية خالصة لتلميع صورة رئيس دمية لا يمتلك أبدا مقومات المنصب الذي يتقلّده ولا يستطيع أبدا ممارسة صلاحياته الشكلية التي ينص عليها الدستور.