شنقريحة في موريتانيا.. لماذا يصر الكابرانات على أكل الثوم بأفواه الآخرين؟
الدار/ افتتاحية
من الواضح أن زيارة اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة إلى موريتانيا في السياق الحالي تمثل بحثا يائسا عن منفذ للخروج من دائرة الحصار الذي فرضه النظام الجزائري على نفسه. لقد وجد هذا النظام نفسه بعد أن هدم علاقاته مع كل دول الجوار في منطقة الساحل والصحراء، في موقف محرج وحساس، وهو يحاول الآن مغازلة موريتانيا وثنيها عن توجهها الموضوعي نحو تعزيز العلاقات مع المغرب، وترجيح كفة الاستقرار في المنطقة، بدلا من اللعب على وتر الانفصال والتوتر. منذ أن اختارت موريتانيا قبل أكثر من عام توضيح مواقفها الصريحة المؤيدة لحل سياسي يؤدي إلى تعميم الأمن والاستقرار لم يعد لنظام الكابرانات أيّ منفذ متاح لإثارة القلاقل والفتن بالمنطقة.
ولعلّ ذهاب رئيس الأركان بنفسه إلى نواكشوط بدعوى نقل رسالة من الرئيس عبد المجيد تبون إلى الرئيس الموريتاني يؤكد أن الأمر يتعلق بحسابات أمنية وعسكرية بالدرجة الأولى. يريد السعيد شنقريحة من خلال هذه الزيارة إقناع السلطات الموريتانية بالسماح لعناصر البوليساريو بالعودة إلى منطقة الكركرات مرة أخرى، وخلق وضع مشابه لما كان سائدا قبل نونبر 2020، وهو التاريخ الذي شهد إجلاء آخر عناصر الميليشيا المسلحة، وطردهم على يد القوات المسلحة الملكية، بعد أن حاولوا اعتراض الطريق الدولي الرابط بين المغرب وعمقه الإفريقي. لقد خسر النظام الجزائري الكثير بعد هزيمة الكركرات، ولذلك لجأ خلال العام الماضي إلى محاولة إشعال الوضع من خلال التحريض على هجوم السمارة الإرهابي.
تتزامن هذه الزيارة أيضا مع قرب التصويت على قرار مجلس الأمن الخاص بتمديد ولاية بعثة المينورسو في مجلس الأمن. ومن الواضح أن ما كشفته وكالة رويترز للأنباء اليوم حول اقتراح التقسيم الذي أشار إليه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في تقريره، قد يكون على طاولة النقاش بين شنقريحة والقيادة الموريتانية. تزعم جبهة البوليساريو أنها ترفض حل التقسيم اليوم، لكننا نتذكر جميعا كيف دفعت الجزائر المبعوث الشخصي الأسبق جيمس بيكر إلى اقتراح هذا الحل وكانت مؤيدة له كما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الحالة في الصحراء الصادر بتاريخ 19 فبراير 2002. لقد نصّ هذا التقرير حرفيا على أن البوليساريو والجزائر مستعدتان لمناقشة تقسيم الصحراء كحل نهائي للنزاع.
ومن الواضح أن موريتانيا معنية أيضا بهذا الخيار الذي تحلم به الجزائر وربيبتها البوليساريو، بحكم أن فكرة التقسيم تتحدث عن جزئين شمالي تحت السيادة المغربية، وجنوبي لإنشاء الدويلة الوهمية، وهذا يعني أنها ستكون محاذية لشمال موريتانيا. ولعلّ ما تفكر فيه قيادة الكابرانات اليوم هو إعداد الظروف السياسية والأمنية المناسبة لوهم التقسيم. لذلك يحاول شنقريحة أن يقنع الموريتانيين بالسماح لعناصر البوليساريو باستخدام الأراضي الموريتانية كقاعدة خلفية للعودة إلى توتير الأجواء واختلاق الأزمة. الهزائم الدبلوماسية التي حصدها النظام الجزائري، والتأييد الكاسح الذي تحققه قضية الوحدة الترابية للمملكة على الصعيد الدولي والأوربي والعربي، لم يترك للكابرانات مجالا آخر غير مناورة التصعيد.
لكن أخبث ما ينطوي عليه هذا التوجه، هو أن النظام الجزائري العاجز عن المواجهة المباشرة، وتحمّل المسؤولية الكاملة في احتضان الأطروحة الانفصالية يحاول أن “يأكل الثوم بأفواه الآخرين”. يريد النظام الجزائري توريط موريتانيا في خلق واقع جديد في الإقليم، لتحقيق بعض المكاسب الظرفية والتأثير في زخم الدعم الكبير الذي يحققه الخيار الوحدوي. وهذا المنطق هو الذي يسيطر عادة على الأنظمة الشمولية والعسكرية التي إذا عجزت دبلوماسيا وسياسيا تلجأ إلى خيارات العنف لكنها قد تفعل ذلك أحيانا بالوكالة. ونحن نقدر دور القيادة الموريتانية في الوقت الحالي تّجاه الالتزام بالتهدئة والابتعاد عن أيّ دور أو اصطفاف ليس في مصلحة الاستقرار. وهذا هو الرأي الحصيف الذي وصلت إليه موريتانيا بعد أن خبرت عبر سنوات طويلة النوايا الجزائرية.