هل ستكتفي إسرائيل بعد قتل السنوار؟
الدار/ تحليل
مقتل يحيى السنوار تعتبره إسرائيل انتصاراً حقيقياً بعد أكثر من عام على بدء طوفان الأقصى، والعدوان الغاشم على قطاع غزة. لم ينجح الجيش الإسرائيلي طوال هذه الفترة في إيقاف المقاومة الفلسطينية أو استرجاع الأسرى، أو القضاء الكامل على القدرة الصاروخية للفصائل المسلحة. صحيح أنها تمكنت من تصفية عدد كبير من القادة الميدانيين والسياسيين وعلى رأسهم يحيى السنوار، لكن مع ذلك ما لم تتوقف المقاومة التي تبديها حركة حماس، والهجمات المضادة التي تشنها ضد القوات الإسرائيلية فإن ذلك يعني فشلا إسرائيليا ذريعا، على الرغم من كل الإمكانات العسكرية الهائلة المحتشدة والدعم الغربي والأميركي اللامشروط.
لقد حاولت الإدارة الأميركية جس نبض بنيامين نتنياهو عندما أعلنت أن مقتل يحيى السنوار يعد فرصة تاريخية لوقف إطلاق النار، في إشارة إلى ضرورة فتح المجال أمام المسار السياسي والتفاوضي. لكن بعد أن وصلت إسرائيل إلى هذا الهدف وتخلصت من السنوار، نستطيع أن نقول إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أعاد رصّ صف الجبهة الإسرائيلية الداخلية، ولم يعد يولي أيّ أهمية للضغوط التي تشكلها عائلات الأسرى الإسرائيليين، ولا سيّما أن الطابع الانتقامي لهذه العملية، يلبي إلى حد كبير مطالب التيارات المتطرفة الداعمة لحكومة الحرب. فتعزيز تماسك التحالف الحكومي في إسرائيل بمثابة التقاط نفَس جديد لمواصلة الحرب.
تمكُّن الجيش الإسرائيلي من قتل يحيى السنوار، وقبله قادة حزب الله، يعني أن حكومة الحرب تسير قُدما وبإصرار نحو تحقيق خطة الجنرالات التي تقضي بإفراغ شمال قطاع غزة من سكانه، وتشكيل منطقة عازلة يحتفظ فيها الجيش الإسرائيلي بوجود مكثف، حتى بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وهو الأمر نفسه الذي تريد إسرائيل فعله في لبنان، من خلال دفع مقاتلي حزب الله شمالا إلى ما وراء نهر الليطاني، وتشكيل حزام عازل في منطقة جنوب لبنان. وتبدو الظروف اليوم مواتية تماما في ظل الصمت الدولي والعربي، واستمرار الدعم الأميركي والأوربي، ونجاح إسرائيل في تحجيم دور إيران، حتى قبل تنفيذ الضربة العسكرية المرتقبة. بل على ما يبدو إن تأخر هذا الرد وتركيز العمليات العسكرية على غزة ولبنان يبدو جزءا من الصفقة الضمنية التي تريد إسرائيل إبرامها، ومفادها: “لن نردّ على قصف إيران، لكن المقابل هو أن تسمح لنا بالقضاء على حزب الله وحماس”.
لذا؛ من المتوقع أن تستمر إسرائيل في فرض الضغط العسكري على شمال قطاع غزة، لدفع ما تبقى من فصائل المقاومة إلى إعلان الاستسلام الكلي، استعدادا لتشكيل إدارة محلية في قطاع غزة، منزوعة السلاح، وتقبل بشروط إسرائيل. والمكسب الرمزي الذي حققته إسرائيل بعد اغتيال يحيى السنوار تريد أن تستثمره بشكل إيجابي في المواجهة الأكثر ضراوة على الجبهة اللبنانية. وكأن التخلص من زعيم حركة حماس يعطي للجيش الإسرائيلي ثقة أكبر وإيمانا بإمكانية القضاء الكامل على حزب الله. إنها تحاول توظيف هذا الاغتيال والصور التي كشفتها في إطار الحرب النفسية ضد المقاومين، سواء في قطاع غزة أو في لبنان. ولهذا من المؤكد أن إسرائيل لن تكتفي بقتل السنوار.
واضح اليوم أن الهدف من العدوان المتواصل على قطاع غزة هو تحقيق أهداف أكبر بكثير من مجرد القضاء على حركة حماس. إذا استسلمت المقاومة الفلسطينية فمن الممكن أن تدفع إسرائيل نحو إحداث تغيير ديمغرافي مؤثر، سواء في غزة أو في لبنان. على سبيل المثال هناك توجه داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو إلى تغيير كامل خريطة لبنان الديمغرافية من خلال الاستمرار في عمليات القصف لإجبار الحاضنة الشعبية لحزب الله على البقاء خارج المنطقة، ومن ثمّ تكريس واقع جديد، وربما فرضه لاحقا في إطار اتفاق أمني أو سياسي يشرف عليه المنتظم الدولي. لذلك يمكن القول إن اغتيال يحيى السنوار في قطاع غزة قد يكون له الأثر نفسه الذي أحدثه اغتيال حسن نصر الله في بيروت.