لماذا يجب ألّا تمرّ محاولة اختطاف هشام عبود مرور الكرام؟
الدار/ تحليل
محاولة الاختطاف التي تعرّض إليها الصحافي والناشط الجزائري هشام عبود في إسبانيا تذكر بحوادث الاغتيال والتصفية التي كان يقع ضحيتها معارضو الأنظمة الشمولية في فترة الحرب الباردة. إنه أسلوب من أقدم الأساليب الترهيبية التي تستخدمها الدول البوليسية والأنظمة العسكرية الشمولية، على غرار نظام الكابرانات. وواضح أن هذه المحاولة كان هدفها اختطاف المعارض الجزائري ونقله عبر البحر نحو الجزائر، بعد أن أصبح من كبار المعارضين المطلوبين لهذا النظام. يتعلق الأمر بصحافي حرّ ندر نفسه لانتقاد نظام العسكر في الجزائر، والدفاع عن مطالب الحرية والديمقراطية، وكشف فضائح الجيش الذي يطبق على السلطة بقبضة من حديد.
هناك زمرة من المعارضين والنشطاء الجزائريين الذين اضطروا قبل بضع سنوات إلى مغادرة البلاد خوفا من موجة الانتقام والاضطهاد التي أطلقتها أجهزة الدولة ضدهم في أعقاب حراك فيفري الشهير. لقد عادت الدولة البوليسية المستبدة إلى فرض هيمنتها على القرار الأمني في الجزائر، بعد أن تم التخلص من بعض رموز النظام السابق، مثل الأخوين بوتفليقة وأحمد أويحيى وعبد المالك سلال ويوسف يوسفي ومحجوب بدة. نجح نظام العسكر بسرعة في التضحية بجيل سابق من القيادة التي لم تعد قادرة على إثبات ركائز الدولة العسكرية، ثم عاد تدريجيا برموز جديدة تفرض اليوم هيمنتها على الحياة السياسية وصناعة القرار، وتعمل جاهدة على كتم الأصوات الحرة مثل صوت الصحافي هشام عبود.
هشام عبود ليس مجرد ناشط معزول نجح في فرض شعبيته على مواقع التواصل الاجتماعي بفضل تحليلاته الرصينة ومواقفه الوطنية، بل هو في الحقيقة عنوان مرحلة جديدة في تاريخ هذا النظام. مرحلة اضطر فيها خيرة أبناء الجزائر من المناضلين الشرفاء إلى الفرار بجلودهم خارج البلاد، والاعتصام بالمنفى الاختياري خوفا من الاعتقال أو التنكيل أو التصفية. هناك تاريخ طويل، مخضب بالدماء والإعدامات الجماعية والانتهاكات ما يزال حاضرا في اللاوعي الجزائري، ويمثل جزء من الصورة المرعبة للكثير من الجزائريين، ولا سيّما من هؤلاء الأشخاص الذين يغامرون بحمل لواء النضال والكفاح من أجل الديمقراطية والحرية. وهشام عبود واحد من هؤلاء الذين يزعجون هذا النظام إلى حد كبير.
بالنسبة إلى نظام مثل النظام الجزائري، فشل في بناء أسس دولة مدنية فإن اقتناص رؤوس المعارضين، ولا سيّما أولئك الذين أصبحوا يتمتعون بشعبية جارفة في مواقع التواصل الاجتماعي، يمثل انتصارا في قائمة الهزائم الطويلة التي ترهق كاهله. “أسد عليّ وفي الحروب نعامة”، هذا هو حال النظام الجزائري الذي لم يعد قادرا على الاستقواء إلّا على المعارضين الذين فضلوا المنفى الاختياري، والنضال بالكلمة الحرة بعيدا عن التهديد والترهيب داخل البلاد. نحن إذاً أمام مثال حيّ يظهر حجم الانتهاكات التي يمارسها هذا النظام ضد أبناء شعبه، ويكشف مدى استعداده لارتكاب أيّ حماقة مهما كانت خطورتها لإسكات الأصوات المعارضة. يجب ألّا ننسى أن عملية الاختطاف حدثت فوق أرض أجنبية.
وهنا لا بد من التساؤل: كم من معارض جزائري تمكن هذا النظام من تصفيته أو إسكاته أو اختطافه دون أن يثير الانتباه أو الرأي العام؟ كم من جريمة اقترفها زبانية نظام الكابرانات ضد المناضلين الأحرار دون أن تنكشف تفاصيلها للعالم؟ نحن أمام استمرارية للسجلّ الحقوقي الأسود الذي شهدته العشرية السوداء، عندما كانت الجماعات المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية تصفي الجزائريين بالجملة، وتنكّل بهم وتحرمهم من حق الحياة، لفرض السيطرة على نظام سياسي فاشل ومتهالك. التاريخ يعيد نفسه، ونجاة هشام عبود في آخر لحظة من عملية الاختطاف التي تعرّض إليها، لا يعني أن هذا النظام سيتوقف بالضرورة عن ممارساته القمعية، بل من الممكن أن يتمادى فيها أكثر. فما حدث يجب ألّا يمر مرور الكرام، وألّا يسكت عليه حملة الفكر وأصحاب الرأي وأحرار الجزائر والعالم.