فن وثقافة

العطلة الصيفية في موريتانيا.. موسم الهجرة إلى “محاظر” القرآن

تحت ظل كوخ شيد لغرض تدريس الأطفال في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط، يأخذ الطفل أحمدو ولد سيدي عالي مكانه بين عدد من أقرانه وهم يستعدون لكتابة درس قرآني جديد قبل منتصف النهار، حيث كثف لهم المدرس الحصص القرآنية بعد إغلاق المدارس النظامية التي كانت تأخذ الكثير من وقت الأطفال وتشغل بعضهم عن الدراسة في "المحاظر" القرآنية.  

الاستيقاظ فجرا 
تحافظ أسرة الطفل على إيقاظه قبيل صلاة الصبح ببعض الوقت للتوجه إلى المحظرة المجاورة لهم، حيث يحمل لوحه الخشبي المعد لكتابة الدروس القرآنية، ويشارك رفاقه في قراءة الألواح على ضوء المصابيح داخل الكوخ الذي شيده المدرس لتعليم أطفال الحي القراءة والكتابة وحفظ القرآن.

ويؤكد ولد سيدي عالي أن العديد من الأطفال يسبقونه للمحظرة قبل انبلاج الصبح، وأن المدرس يستيقظ هو الآخر قبل الجميع لتهيئة فراش الكوخ وإيقاد المصابيح وإعطاء الأوامر للأطفال ببدء قراءة الألواح والتركيز على الدروس جيدا حتى يتمكنوا من حفظها بالطريقة التي تسمح لهم بكتابة درس جديد اليوم الموالي.

تبدأ عملية التدريس قبيل صلاة الصبح وتتواصل حتى الثامنة أو التاسعة صباحا ليعود الأطفال إلى ذويهم لتناول الفطور ثم يبدؤون التوافد من جديد إلى المحظرة لكتابة الدرس اليومي، ثم تبدأ عملية القراءة حتى الساعة 11، ويعاودون الكرة بعد صلاة الظهر وقبيل العصر يعودون لمنازلهم على أن يعودوا للمذاكرة الليلة قبل صلاة المغرب ليختموا بذلك يومهم مع التدريس المحظري المنتشر بكثرة هناك.

العطلة الصيفية
يقول أستاذ "محظرة الفتح" الصافي ولد عيسى نجاه الله إن محاظر تدريس القرآن تشهد انتعاشا كبيرا في العطلة الصيفية بسبب تزايد الإقبال عليها من قبل الأسر الراغبة في تدريس أبنائها القرآن الكريم، مشيرا إلى أن محظرته شهدت الكثير من الإقبال بعيد إغلاق المدراس النظامية منذ نهاية ماي الماضي، وتضاعف عدد الأطفال الذين يدرسون بها بنسبة كبيرة.

ويضيف ولد عيسى نجاه الله أن تحفيظ القرآن يشكل أولوية لدى الكثيرين في موريتانيا وهو ما جعل بعض الأسر تجمع للأطفال بين الدراسة النظامية في العام الدراسي ودراسة القرآن، كما ترتفع وتيرة الاهتمام بالتدريس في المحاظر خلال العطلة الصيفية.

ويؤكد أن هناك أسرا أخرى لا تجد الفرصة لدراسة أطفالها القرآن الكريم بسبب ضغوط الدراسة النظامية، وتستغل فرصة العطلة الصيفية لتعليمهم في المحاظر المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد.

وقد تأسست محظرة الفتح منذ نحو سبع سنوات في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط -كما يقول شيخ المحظرة- ومنذ ذلك الوقت وهو يدرس أطفال الحي، حيث تشهد المحظرة انتعاشا كبيرا مع انتهاء العام الدراسي، لأن معظم الأطفال لا يمكنهم الجمع بين التعليم النظامي والمحظري، في حين يحافظ القليلون على الجمع بينهما من خلال جدول زمني معين يكون خلاله التدريس في المحظرة في أوقات غير منتظمة. 

الهجرة إلى المحاظر 
تعيش "محاظر" تدريس العلوم الشرعية واللغوية العريقة هي الأخرى ازدهارا كبيرا خلال فترة العطلة الصيفية، حيث تشهد هجرات واسعة من الشباب الجامعي والثانوي لقضاء فترة الراحة الصيفية في التدريس المحظري التقليدي.

ويرى محمد فال ولد سيد أمحمد (أحد طلاب محاظر العلوم الشرعية واللغوية) أن الإقبال على التدريس في المحاظر يتزايد بشكل كبير في العطلة الصيفية حيث تصبح قبلة للعديد من الشباب الجامعي والثانوي بعد إغلاق المدارس النظامية والجامعات.

ويضيف الطالب أن التدريس المحظري لا زال يشهد إقبالا كبيرا رغم انتشار التعليم النظامي، حيث تعتبر المحظرة أم التدريس في البلاد، ولا يمكن لأي أسرة أن تغيب أبناءها عن المحاظر لأي سبب وخصوصا فترة العطلة الصيفية.

تقليد يأبى الاندثار
تعتبر المحاظر طريقة تقليدية للتعليم انتشرت بكثرة في عموم البلاد، حيث تعتبر جامعات ومدارس متنقلة تدرس القرآن ومختلف العلوم الشرعية والعربية، وظلت تحافظ على مكانتها وقيمتها العلمية رغم انتشار التعليم النظامي الحديث.

ويرى أستاذ "محظرة الفتح" أن المحاظر لا تزال تحتفظ بنفس الهدف الذي تأسست من أجله وهو تعليم العلوم الشرعية والعربية، وكانت الدراسة في المحاظر تتم في العراء، وفي الليل يوقد الأطفال والطلاب الحطب لقراء الألواح الخشبية على ضوء النار.

ويشير الشيخ ولد عيسى نجاه الله إلى أن بعض المحاظر في الوقت الحالي شيدت بنايات لتدريس الطلاب، والبعض الآخر أصبح يدرس داخل أكواخ، كما تحول التدريس في بعض القرى والبوادي داخل الخيام بعد أن كان يتم تحت ظل الأشجار أو في العراء.

المصدر : وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى