منظمة بوليساريو الإرهابية ، الوجه الآخر للأجندة الجزائرية

بقلم ذ/ الحسين بكار السباعي
“اكذب، ثم اكذب، حتى يصدقك الناس”… مقولة لطالما جسدها النظام الجزائري منذ أن صنع جبهة “بوليساريو” تحت غطاء حركة تحررية، سرعان ما تهاوت أمام الحقائق الدامغة، لتنكشف للعالم حقيقتها كمنظمة إرهابية عابرة للحدود. فقد شكلت مخيمات تندوف، التي أنشأتها الجزائر منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، أكبر سجن مفتوح فوق التراب الجزائري، تمارس فيه أبشع أصناف القمع والتعذيب في حق رهائن و محتجزين الصحراويين، تحت أعين وأوامر ضباط الاستخبارات الجزائرية.
لم تقتصر إنتهاكات هذه الميليشيا الإنفصالية على حدود تندوف، بل إمتدت أياديها الآثمة إلى مناطق توتر متعددة، من الساحل الإفريقي إلى الشرق الأوسط، حيث تؤكد وثائق إستخباراتية مسربة، وشهادات حية، مشاركة عناصر من بوليساريو في معارك سوريا إلى جانب ميليشيات موالية لنظام الرئيس السوري المخلوع ، وبتأطير من ضباط جزائريين ، حيث تم إعتقال بعضهم في مدينة حمص أثناء زحف الثوار على العاصمة دمشق، وهو ما شكل دليلا إضافيا على التورط العميق لهذا التنظيم في شبكات الإرهاب الدولي.
وليس خفيا اليوم ، أن الجزائر، التي تحتضن وتمول هذا التنظيم الإرهابي ، سعت و تسعى لترويج سردية “النضال المشروع”، مستغلة صمت بعض المنظمات الحقوقية الدولية المأجورة ، ومراهنة على التعتيم الإعلامي الذي يوجهه عسكر قصر المرادية. غير أن تسارع تداول المعلومة اليوم، وسقوط الأقنعة، فضحا زيف تلك الإدعاءات، خاصة مع تزايد دعوات منظمات وهيئات حقوقية دولية مستقلة لتصنيف بوليساريو منظمة إرهابية، وذلك بالنظر إلى سجلها الأسود في الإنتهاكات والجرائم ضد الإنسانية.
رجوعا ياسادة ، إلى تاريخ الإرهاب الجزائري وخلفيته بوليساريو، فقد عرفت مناطق مغربية عديدة، بين سنتي 1976 و 1983، إعتداءات متكررة من طرف عناصر الجبهة الإنفصالية، شملت القتل والخطف والإغتصاب والنهب، في بلدات مثل عوينة يغمان ولبيرات والمحبس وأبطيح وبوكراع وبوحدور والمسيد وطانطان وأقا وفم الحصن والسمارة وطاطا وآسا ومحاميد الغزلان، وغيرها من البوادي المجاورة لها ، حيث تم كذلك إختطاف مئات المدنيين العزل ومنهم نساء متزوجات وأبنائهم الصغار أو كانوا حبلى ،ونقلهم قسرا إلى تندوف، وإحتجازهم في ظروف لا إنسانية. كما تم تهجير سكان الأرياف من شمال موريتانيا والحدود الجزائرية المالية، بقوة السلاح.
إرهاب مستمر داخل مخيمات تندوف ، سمتها الجزائر مخيمات لاجئين ، والحال أن واقع الأمر يشهد أنها أماكن خصصت للإحتفاض بالرهائن والمحتجزين ضدا على القانون الدولي الانساني، في محادات مخيمات تندوف وعلى أرض الحمادة التي لا تغرب فيها الشمس والتي يصفها أهل الصحراء بأرض جهنم ، حيث بنيت سجون رهيبة مثل “الرشيد” و”عظيم الريح” و”الرويضا” و”الذهيبية”، حيث تعرض المعتقلون، خصوصا النساء والفتيات، لشتى أنواع التعذيب والإنتهاك الجنسي، بما في ذلك الإجهاض القسري والاتجار بأطفال الغار، وهم ثمرة علاقات غير شرعية مع عناصر القيادة العسكرية الجزائرية وميليشيات البوليساريو.
لم تسلم موريتانيا حتى اليوم ، من تهديدات هذا التنظيم، فقد وجه المدعو البشير مصطفى السيد تهديداً صريحاً لزعزعة أمن نواكشوط، بإيعاز من النظام الجزائري، كرد فعل على التقارب الموريتاني-المغربي. وهو ما يعكس الخطر الإقليمي الداهم الذي تمثله “بوليساريو”، باعتبارها ذراعا إرهابيا في خدمة أجندة عسكرية جزائرية توسعية.
كما كشفت شهادات العائدين من المخيمات، مثل فاتح أحمد ولد محمد فاضل، تفاصيل مرعبة عن طبيعة النظام القمعي المسيطر هناك، حيث تحدث عن التعذيب الممنهج، والاغتيالات، وعمليات التصفية الجسدية التي طالت حتى معارضين من داخل التنظيم نفسه، والذين تم الإعلان عن مقتلهم في “ساحات المعارك” تمويها وتضليلا.
غما يسمى بـ”جهاز مكافحة التجسس” في المخيمات التابع لقاعدة المخابرات العسكرية بمطار تندوف ، كان في حقيقته أداة للبطش والتنكيل، يستهدف كل من تسول له نفسه إنتقاد القيادة أو التشكيك في مشروعية الجبهة. كما تم تعذيب واختطاف العديد من المثقفين والنشطاء، وحتى مواطنين أجانب، بهدف تكميم الأصوات الحرة، وضمان إستمرارية القيادة الحالية التي تحكم بإسم التحرر، في حين أنها تمارس أبشع طرق الاستعباد والإرهاب .
في ظل هذه المعطيات، أصبح لزاما على المجتمع الدولي، ومؤسساته الحقوقية والأمنية، تجاوز حالة الصمت، والإنخراط الجاد في تصنيف بوليساريو منظمة إرهابية. فحجم الجرائم المرتكبة، وأدلة تورطها في أنشطة إجرامية عابرة للحدود، لا يترك مجالا للشك في طبيعة هذا التنظيم، الذي لم يكن ولن يكون سوى مجموعة مسلحة إرهابية ، تخدم أهداف سياسية وأيديولجية للجزائر.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.