المغرب وفلسطين.. بين ثوابت الموقف وحسابات الاستغلال السياسي

الدار/ تحليل
لا يختلف اثنان على أن القضية الفلسطينية تشكّل في وجدان المغاربة قضية مركزية، تتجاوز البعد الجغرافي لتلامس عمق الانتماء الإنساني والحضاري والديني. فمنذ عقود، والمغاربة، ملكاً وشعباً، يعبّرون عن دعم لا مشروط للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل نيل حقوقه الوطنية، وهو موقف لا تحركه مصالح ضيقة ولا يخضع لتقلبات ظرفية، بل ينبع من قناعة راسخة متجذّرة في التاريخ والسياسة والمبادئ.
غير أن ما يسترعي الانتباه في الآونة الأخيرة هو دخول بعض الأصوات التي تحاول توظيف هذا الالتفاف الشعبي النبيل حول فلسطين، لخدمة مشاريع سياسية أو إيديولوجية تتعارض تمامًا مع مصلحة الوطن وثوابته. فبينما يُفترض أن تكون فلسطين قضية توحد، تحوّلت في بعض الأوساط إلى ذريعة لخطابات تمسّ استقرار البلاد وتستهدف رموزها، وفي مقدمتهم جلالة الملك محمد السادس، الذي يشغل رئاسة لجنة القدس، ويقود شخصيًا جهودًا دبلوماسية وإنسانية لحماية المدينة المقدسة ودعم صمود أهلها.
من المؤسف أن نرى محاولات تسييس عاطفة وطنية صادقة، وركوب موجة التعاطف الشعبي من أجل التشكيك في المؤسسات، وتأليب الرأي العام، وخلق حالة من الفوضى تحت غطاء من الشعارات المضللة. فالدفاع عن فلسطين لا يكون بزعزعة الأوطان، ولا بتقويض استقرارها، بل بالمساهمة الفعلية في بناء دول قوية قادرة على دعم القضايا العادلة بمنطق التأثير لا الاستهلاك العاطفي.
المغاربة اليوم، وهم يدركون حجم التحديات الإقليمية والدولية، يرفضون أن يُزجّ بهم في معارك ليست معاركهم، أو أن يُستغلّ نبل مشاعرهم لأغراض لا علاقة لها بفلسطين ولا بمصالحها. لقد أثبت الشعب المغربي، في أكثر من محطة، أنه لا يقبل الوصاية على مواقفه، ولا يسمح بأن يتحول إلى أداة في يد من يتاجرون بالقيم والمبادئ.
إن اللحظة تتطلب الكثير من اليقظة والحكمة، والتفريق بين الدعم الصادق لفلسطين، الذي لا غبار عليه، وبين محاولات اختراق الصف الوطني عبر شعارات فضفاضة ظاهرها النصرة وباطنها الفتنة. فالحفاظ على استقرار المغرب ليس نقيضًا للالتزام بالقضية الفلسطينية، بل هو شرط أساسي للاستمرار في دعمها بشكل فعّال ومسؤول.
من هنا، لا بد من التأكيد على أن المغاربة سيظلون، كما كانوا دائمًا، في طليعة المدافعين عن فلسطين، لكنهم، في الآن ذاته، يقفون سداً منيعًا أمام أي محاولة للمساس بوحدة وطنهم أو التشكيك في رموزه. فبين الثوابت الوطنية والمبادئ الإنسانية، لا يقبل المغرب المساومة ولا يعرف الانكسار.