أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

المغرب بين واشنطن وبكين وبروكسل.. توازن استراتيجي واستثمار صيني يتجاوز 10 مليارات دولار

المغرب بين واشنطن وبكين وبروكسل.. توازن استراتيجي واستثمار صيني يتجاوز 10 مليارات دولار

الدار/ تحليل

في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ينجح المغرب في رسم مسار متوازن بين القوى الدولية الكبرى، متحولًا إلى مركز جذب استثماري لا يستهان به، خصوصًا في قطاعات المستقبل مثل صناعة السيارات والبطاريات الكهربائية.

وأحدث الأمثلة على ذلك، ضخّ الصين أكثر من عشرة مليارات دولار في مشاريع صناعية بالمملكة، وهو استثمار ضخم يكرّس موقع المغرب كحلقة وصل حيوية بين أوروبا وإفريقيا وباقي العالم.

الاستثمارات الصينية الأخيرة لا تقتصر على بناء مصانع تقليدية، بل تتجه نحو الصناعات عالية التقنية والابتكار، وخاصة في مجالات تصنيع السيارات الكهربائية وتطوير البطاريات المتقدمة. هذه الطفرة الإنتاجية تعكس ثقة الشركاء الآسيويين في استقرار البيئة الاستثمارية المغربية، وموقعها الاستراتيجي الفريد على بوابة الأطلسي والمتوسط، وبالقرب المباشر من السوق الأوروبية الضخمة.

وتُعد مدينة طنجة والمنطقة الحرة بها، إلى جانب القطب الصناعي بالدار البيضاء والقنيطرة، من أبرز الوجهات لهذه الاستثمارات، في ظل توفر بنى تحتية متطورة وشبكة لوجستية تربط الموانئ بالمصانع بشكل سريع وفعال.

وسط أجواء من التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والصراع الجيوسياسي بين الكتل الاقتصادية الكبرى، ينجح المغرب في الحفاظ على علاقات متينة ومتوازنة مع الجميع. فالمملكة شريك تجاري موثوق لواشنطن، وتربطها اتفاقيات تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تعزز فيه شراكاتها مع بكين من دون الانخراط في سياسة المحاور أو الاستقطاب.

هذا النهج البراغماتي يعكس رؤية دبلوماسية واقتصادية ناضجة، تستند إلى مبدأ تنويع الشركاء وتحييد المصالح الوطنية عن التجاذبات الدولية، بما يسمح بجني ثمار التعاون دون التفريط في السيادة أو التبعية لأي طرف.

التحول الصناعي الجاري في المغرب لم يعد يقتصر على التجميع أو التصنيع البسيط، بل يتجه نحو سلسلة قيمة متكاملة تشمل البحث والتطوير، وتكوين الكفاءات المحلية، وتوطين الصناعات الدقيقة. ولعل دخول الصين بقوة على هذا المسار من شأنه تسريع وتيرة التحول، ورفع مستوى نقل التكنولوجيا، وخلق فرص شغل مستدامة تواكب تطلعات الشباب المغربي.

بفضل هذه الاستثمارات والشراكات المتعددة، أصبح المغرب مرشحًا بقوة ليكون مركزًا لوجستيًا وصناعيًا إقليميًا يخدم الأسواق الأوروبية والإفريقية، خصوصًا مع توجه الشركات العالمية نحو تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على مراكز التصنيع البعيدة. وفي هذا الإطار، يُنتظر أن يلعب المغرب دورًا متناميًا في التنافس على استضافة صناعات المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة النظيفة.

المغرب لا يبني فقط مصانع جديدة، بل يبني نموذجًا جديدًا للشراكة الدولية، قائمًا على الثقة والتوازن والفرص المشتركة، ما يعزز مكانته كفاعل محوري في الاقتصاد العالمي الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى