موريتانيا تغلق “لبريكة” البوابة الخلفية لتسلل البوليساريو نحو المنطقة العازلة.
موريتانيا تغلق "لبريكة" البوابة الخلفية لتسلل البوليساريو نحو المنطقة العازلة.

يعد قرار الجيش الموريتاني القاضي بإغلاق منطقة “لبريكة” الواقعة في أقصى الشمال الشرقي لحدودها ، هذه المنطقة التي تعتبر نقطة عبور رئيسية بين الأراضي الجزائرية والموريتانية، والتي تمر عبرها شبكات التهريب، عناصر مرتبطة بالجريمة المنظمة والإرهاب .
إنه إجراء سيادي يعتبر خطوة ذات دلالة إستراتيجية لا تقف عند حدود الضبط الأمني الداخلي، بل تتعداها إلى ما هو أبعد ،رسم معالم جديدة لإدراك نواكشوط لتشابك التهديدات الأمنية القادمة من المجال الحدودي المشترك مع الجزائر ومخيمات تندوف.
فموقع “لبريكة ” الذي أعلن عنه منطقة مغلقة ، كان إلى وقت قريب فضاءا تتحرك فيه أنشطة مشبوهة تحت غطاء التهريب والتجارة في المساعدات الإنسانية الممنوحة لساكنة مخيمات تندوف ،لكن سرعان ما إنكشف الأمر أنها تتعلق فقط بعمليات تهريب السلع والمحروقات والأسلحة ، بل تحولت إلى مسرح غير معلن لتسلل العناصر الإرهابية المسلحة المرتبطة بجبهة بوليساريو. وهو ما يفسر اللهجة الصارمة لبيان الجيش الموريتاني، الذي تحدث عن “تطويق تداعيات الانفلات الأمني” ومنع “أي وجود مدني أو تجاري” في المنطقة.
قرار يحمل بصمة الدولة العميقة في موريتانيا، ويعكس تحولا في عقيدتها الأمنية نحو مزيد من الواقعية والصرامة، بعدما أدركت أن إستمرار ترك هذه المنطقة الحساسة دون رقابة صارمة يجعل من البلاد بوابة خلفية تستغل لغايات تتجاوز الاقتصاد الموازي ، لتطال الأمن القومي الموريتاني ذاته.
سياق تتقاطع فيه دوافع موريتانيا مع الإنشغالات الإقليمية المتزايدة بشأن تحول المخيمات الخارجة عن الرقابة الجزائرية إلى منصة لتهريب البشر والسلاح، وإعادة تدوير فلول الجماعات المتطرفة، لا سيما بعد تراجع نفوذ فرنسا وازدياد انكشاف الساحل أمام أطماع قوى إقليمية ودولية.
لا شك أن الخطوة الموريتانية أعادت خلط أوراق جبهة بوليساريو، التي دأبت على استغلال المعابر السرية بين تندوف وشمال موريتانيا لتأمين تواصلها مع بعض عناصرها المتسللة إلى المنطقة العازلة شرق الجدار الدفاعي المغربي. وبإغلاق لبريكة، تكون موريتانيا قد قطعت أحد أهم شرايين التسلل غير النظامي، وأرسلت رسالة مباشرة للجزائر وصنيعتها بوليساريو، مفادها أن زمن التساهل مع “الأنشطة الرمادية” قد ولى إلى غير رجعة .
خطوة تفهم كنوع من التماهي غير المعلن مع الرؤية المغربية لحماية الأمن الإقليمي، تفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة في المنطقة، خاصة إذا ما تبعتها إجراءات مماثلة في محاور حدودية أخرى. كما أنها ستعجل بإعادة تقييم جزائري للإستراتيجية الأمنية في تندوف، خاصة بعد تزايد الضغوط الدولية بشأن تغول بوليساريو خارج الرقابة، وتنامي المؤشرات حول تحول المخيمات إلى بؤرة قابلة للانفجار ومشتل لصناعة الإرهاب .
ختاما، لم يكن إغلاق لبريكة مجرد إجراء موضعي محدود النطاق ، بل هو إعلان موريتاني صريح عن أن أمنها لم يعد يحتمل مجازفة التعايش مع الفراغات المشتعلة، وأن منطق السيادة يفرض الانخراط الجاد في معركة ضبط الحدود وتجفيف منابع الإرهاب والحريمة المنظمة ، أيا كانت كلفته الجيوسياسية.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.