أخبار الدارسلايدر

الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.

في مملكة أعلت من شأن الثقافة والعلم والإبداع، وغذت الروح الوطنية بالإحتفاء بالمبادرات الرائدة والملتقيات الهادفة، تمثل الرعاية الملكية السامية أسمى أشكال الدعم الرمزي والمعنوي والتشريف ، الذي قد تحظى به تظاهرة وطنية أو دولية معينة . فهي ليست مجرد شعار يزين واجهة المحافل ومنصات الندوات ، بل عنوان لثقة ملكية سامية تمنح بناء على معايير دقيقة وإعتبارات رفيعة، تعكس المكانة المرموقة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله كراع للثقافة والفكر والتنمية.

الرعاية الملكية، في عمق دلالتها، يا سادة ، تجسيد لعناية مولوية بالغة بكل ما من شأنه أن يسهم في إشعاع المغرب، ويخدم قضاياه الإستراتيجية، ويعزز إنخراطه الإيجابي في محيطه الإقليمي والدولي. غير أن هذا التشريف الملوكي لا يمنح جزافا، بل يخضع لمسطرة صارمة تشرف عليها مديرية التشريفات والأوسمة الملكية، وتتطلب توفر جملة من الشروط، في مقدمتها الطابع الوطني أو الدولي للحدث، ونبل الأهداف، ومصداقية الجهة المنظمة، وغياب الطابع التجاري الصرف.
ومن أبرز النماذج التي حظيت بشرف الرعاية الملكية، نذكر المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، الذي يُدعد من أضخم التظاهرات الفلاحية في إفريقيا، لما له من دور ريادي في تسويق النموذج المغربي في التنمية الفلاحية وتعزيز التعاون جنوب جنوب. كما حظي المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بهذه الرعاية، لما يعكسه من إنفتاح ثقافي وتلاقح حضاري يرسخ مكانة المغرب كمنصة للفن السابع على المستوى الدولي. ونجد أيضا المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي نظم بمراكش سنة 2014، والذي إكتسى طابعا دوليا يعكس التزام المغرب بالمنظومة الحقوقية الكونية، وكان من التظاهرات التي أضفت عليها الرعاية الملكية طابعا خاصا من الوقار والدعم.

غير أن الرعاية الملكية السامية قد تسحب أو ترفض في بعض الحالات، حين تسجل ممارسات أو إنزلاقات تمس بهيبة المناسبة أو تناقض القيم التي تنطوي عليها الرعاية السامية. وقد سبق في ذات السياق أن إحدى التظاهرات الموسيقية الكبرى، التي سبق أن منحت الرعاية الملكية، لم تجدد لها لاحقا، بسبب إختلالات تنظيمية وإختيارات فنية وصفت بأنها لا تليق بمستوى الحدث ولا تنسجم مع الرسالة الثقافية الراقية التي من أجلها منحت الرعاية. وهو ما يدلل على أن الرعاية ليست مجرد تفويض شكلي، بل مسؤولية أخلاقية تحمل الجهة المنظمة واجب الإنضباط والتقيد بأعلى معايير الجودة و الاحترام.
ولأن الرعاية الملكية تعد في حد ذاتها تشريفا عظيما، فإن نيلها لا ينبغي أن يختزل في مساع بيروقراطية أو تطلعات تسويقية، بل في إدراك جوهري بأن هذا التكريم الملكي هو تعبير عن حرص المؤسسة الملكية على تثمين المبادرات الرصينة والهادفة ، والاحتفاء بما يشرف المغرب ويعلي من شأنه بين مختلف الأمم . فكم من مهرجان أو ملتقى إنطلق محدودا وبسيطا ،و لما حظي بالرعاية السامية تحول إلى موعد سنوي ينوه بع ، في الأوساط الإعلامية الوطنية والدولية ، وحتى في نوادي الدبلوماسيين والباحثين والفنانين عبر العالم.

ختاما ، الرعاية الملكية ليست جائزة أو تمييز، بل تشريف يتطلب شروطا شكلية وموضوعية ، بل هي أمانة ومسؤولية .فأعظم من ينالها هو من يدرك عمق رمزيتها وجسامته ، ويحسن الوفاء لمعناها ويعمل على صونه ، ويجعل منها عهدا على خدمة الوطن بعقل راجح وروح نبيلة وحكمة بليغة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محان وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى