أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

المغرب واللحظة الفاصلة سحب ملف الصحراء الغربية المغربية من اللجنة الرابعة والعودة للمطالبة بالصحراء الشرقية.

المغرب واللحظة الفاصلة سحب ملف الصحراء الغربية المغربية من اللجنة الرابعة والعودة للمطالبة بالصحراء الشرقية.

حين يقرر المغرب أن يفتح ملف صحرائه الشرقية، تلك التي اقتطعت في لحظة إستعمارية قسرية، ويعيد النظر في سحب ملف صحرائه الأطلسية من اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، فإنه لا يباشر خطوة إستعراضية، بل يؤسس لتحول إستراتيجي في هندسة النزاع الإقليمي، ويضع النقط على حروف ظلت مطموسة لعقود بفعل تواطؤ خرائط الإستعمار وصمت القانون الدولي حين يتعلق الأمر بالحقوق المغربية التاريخية.

لقد تشكلت الجزائر الحديثة في مختبر الجنرالات الفرنسيين، لا في ساحات الكفاح المغاربي الجامع، وكان من أول ما فعلته الإدارة الكولونيالية عقب إحتلالها للجزائر في 1830 أن توسعت تدريجيا شرقا وغربا وجنوبا، باجتياح أراض مغربية تعترف بها كل خرائط الإمبراطورية العثمانية والفرنسية والبريطانية والإسبانية، بما فيها تندوف وبشار وكورارة وتوات وغيرها من المناطق التي لم تكن في أي لحظة جزءا من “الجزائر العثمانية”، بل كانت من عمق التراب السيادي المغربي تاريخيا.
وفي خضم هذا الصمت الدولي، أقامت فرنسا بنية إدارية وظيفية في المنطقة، كان جوهرها قطع شريان العمق المغاربي، ومحاصرة المغرب جغرافيا من الشرق والجنوب، ومنع أي تقارب مغاربي حقيقي بين المغرب وتونس أو موريتانيا أو ليبيا.
لقد كانت الجزائر، بصيغتها الحالية، مشروعا فرنسيا يروم الإبقاء على النفوذ في شمال أفريقيا ولو بعد زوال الوجود العسكري. ولذلك لا يمكن فهم عداء الجزائر للمغرب إلا ضمن هذا السياق الهيكلي الذي فرض عليها كوظيفة، لا كخيار سيادي.

فحين نتحدث عن الصحراء الشرقية المغربية، فإننا لا نثير قضية عادية غير مؤثرة ، بل نعود إلى ملفات محفوظة في الأرشيفات الدولية، والوثائق العسكرية ، والضرائب، والتقارير القنصلية، ورسائل السلطان المغربي إلى شيوخ القبائل وتعيين القضاة ، ومراسلات القياد المحليين التي تؤكد ولاءهم للعرش المغربي، وكلها موثقة بين الرباط وباريس ولندن ومدريد. وقد اعترف قادة الثورة الجزائرية أنفسهم، بمن فيهم فرحات عباس في رسائله إلى الأمم المتحدة، بأن الحدود بين الجزائر والمغرب “لم تكن محددة بشكل رسمي وأنها حدود استعمارية يجب إعادة النظر فيها بعد الاستقلال”.
لكن ما أن إستقرت للجزائر سلطة ولو شكلية فالعسكر هو سيد قرارها ، حتى قلبت ظهر المجن، وتنكرت لأي التزام تاريخي أو سياسي نحو الجار المغربي الذي دعم ثورتها بالمال والسلاح، وأطلقت أولى رصاصات الغدر في حرب الرمال سنة 1963. وهكذا بدأت قصة نزاع مصطنع، رسم على مكاتب المخابرات، لا على جغرافيا التحرير.

أما الصحراء الغربية المغربية، والتي هي جزء لا يتجزأ من الهوية الترابية للمغرب، ووجودها في اللجنة الرابعة منذ 1963 كان نتيجة تواطؤ دولي وتغافل أممي في لحظة كان فيها المغرب يفتقر إلى الأدوات الكاملة لمواجهة منظومة الحرب الباردة التي سخرت النزاع لتصفية الحسابات بين المعسكرات الكبرى. لكن السياق الدولي اليوم تغير، والمغرب بات يمتلك القوة الناعمة والشرعية القانونية والرأسمال السياسي والدعم الدولي الكافي لسحب هذا الملف الذي دقت ساعة حسمه من يد الوصاية الدولية، باعتباره نزاعا مغلقا تعالج آثاره في إطار سيادته، لا على طاولة الابتزاز.ونحن قريبين جدا من سحبه من اللجنة الرابعة، حينها سيتزلزل ميزان الخطاب الجزائري ، وسيسقط القناع عن نظام يزعم الدفاع عن “حق الشعوب في تقرير المصير”، بينما يقمع شعب القبايل، ويمنع اللغة الأمازيغية من التداول الحر، ويغتال كل صوت خارج جوقة التطبيل العسكري.

ختاما إن الوجه الحقيقي للجزائر، دولة مصطنعة، تؤدي وظيفة إستراتيجية لحساب من صمم حدودها، لا من رسم جغرافيتها بالدم والعرق والتاريخ. أما المغرب، فدولة تاريخ وصبر، لم يقل كلمته الأخيرة بعد، لكنه حين يفعل، فلن يبقى في المشهد إلا من له جذور، لا من نبت في حضن خرائط الإستعمار.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى