أخبار الدارالمواطنسلايدر

احتجاجات جيل الشباب بالمغرب: ما بين الحاجة إلى الإصلاح وتحدي ضبط الشارع

احتجاجات جيل الشباب بالمغرب: ما بين الحاجة إلى الإصلاح وتحدي ضبط الشارع

الدار/ سارة الوكيلي

تشهد مدن مغربية منذ يوم أمس احتجاجات متفرقة اتسمت في معظمها بالطابع السلمي، رُفعت خلالها شعارات تدعو إلى تحسين ظروف العيش وضمان الحق في الصحة والتعليم، بينما سُجلت في المقابل محاولات محدودة للانزلاق نحو العنف أو الركوب السياسي على موجة الغضب الشعبي. المشهد المركب يضع الدولة أمام معادلة دقيقة: حماية الاستقرار من جهة، والاستجابة للمطالب المشروعة من جهة أخرى، في سياق اجتماعي واقتصادي تؤكده الأرقام قبل الشعارات.

المعطيات المتوفرة تكشف أن ما يطالب به المحتجون يجد جذوره في واقع ملموس. فبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يتجاوز عدد مقدمي الرعاية الصحية في المغرب 7.7 لكل عشرة آلاف نسمة، وهو معدل أدنى بكثير من التوصيات المثالية، فيما لا يتعدى معدل الأسرة في المستشفيات 0.7 سرير لكل ألف نسمة مقابل 3.3 كمتوسط عالمي. كما أن نحو 74 في المئة من الوفيات تعزى إلى أمراض غير سارية كالسرطان وأمراض القلب، ما يبرز الحاجة الملحة لتعزيز البنية الصحية وتحسين القدرة على المواكبة العلاجية والوقائية.

وفي قطاع التعليم، ورغم أن المغرب خصص حوالي 6 في المئة من ناتجه الداخلي الخام للتعليم سنة 2023 متجاوزاً المتوسط العالمي، إلا أن هذا الاستثمار لم يمنع بروز إشكالات هيكلية مرتبطة بجودة التعليم واستمرار الهدر المدرسي، حيث بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي نحو 89 في المئة فقط، مع تفاوتات بين المناطق الحضرية والريفية.

الوضع الاقتصادي بدوره شكّل خلفية ضاغطة لهذه التحركات. فمعدلات التضخم سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في 2023 بلغت ذروتها عند أكثر من 6 في المئة، قبل أن تتراجع إلى 0.4 في المئة في منتصف 2025، غير أن تذبذب الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة ما زالا يثقلان كاهل الأسر المغربية، خاصة في المدن الكبرى. ورغم توقعات المؤسسات المالية الدولية بأن يحقق الاقتصاد المغربي نمواً في حدود 3.6 في المئة خلال 2025، فإن هذه المؤشرات لم تنعكس بعد على الحياة اليومية لشرائح واسعة. ويعكس مؤشر الفقر متعدد الأبعاد أن حوالي 6.4 في المئة من السكان يعيشون في وضعية فقر حقيقي، فيما يقارب 11 في المئة معرضون له، ما يعكس هشاشة اجتماعية متجذرة.

أمام هذه المعطيات، تبدو الاحتجاجات الحالية أكثر من مجرد حراك عابر، فهي انعكاس لواقع اجتماعي يفرض على صانع القرار التفكير في حلول ملموسة قابلة للقياس، من خلال إصلاحات تدريجية في الصحة والتعليم وتدابير عملية لامتصاص كلفة المعيشة. وفي الوقت ذاته، يتعين التمييز بين المحتجين السلميين الذين يعبرون عن مطالب شرعية وبين أقلية قد تنزلق إلى العنف أو تسعى إلى الاستثمار السياسي في هذه الأوضاع. إن القدرة على هذا التمييز هي التي ستحدد إن كان المغرب مقبلاً على احتواء الغضب بوسائل مؤسساتية ناجعة، أو على الدخول في حلقة جديدة من الشد والجذب بين الشارع والدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى