أخبار الدارالمواطنسلايدر

احتجاجات 27 شتنبر.. بين مطالب الإصلاح وأزمة الوساطة السياسية

احتجاجات 27 شتنبر.. بين مطالب الإصلاح وأزمة الوساطة السياسية

بقلم: ياسين المصلوحي

شهدت مجموعة من المدن المغربية موجة احتجاجات مهمة، عشية يوم السبت 27 شتنبر الجاري، بعد دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف حسابات وصفحات شبابية، للمطالبة بتجويد خدمات الصحة والتعليم. وقد عرفت هذه الاحتجاجات اعتقالات في صفوف بعض المتظاهرين، ليتم إطلاق سراحهم ليلة نفس اليوم.
وقد حظيت هذه المظاهرات بمتابعة إعلامية مهمة، وتتبع كبير من طرف عموم المواطنين، كما المحللين السياسيين والاجتماعيين، حيث يرى بعضهم أن الاحتجاجات السلمية تعتبر حقا من حقوق المواطنين، ويضمنها الدستور والمواثيق الدولية، وهو ما لا يبرر الاعتقالات وتفريق هذه المظاهرات بالقوة حسب تعبير البعض. إلا أنه، وفي نفس الوقت، يبقى للدولة السلطة التقديرية للترخيص لها من عدمه، وبالتالي الحق في استعمال العنف المشروع، كما أسس له رائد علم الاجتماع ماكس فيبر.
هذه الأحداث تفرض على المتتبع الإحاطة بها من كل الجوانب لفهمها أكثر، حيث يرفض تماما استعمال العنف في حق المواطنين، حسب ما ينص عليه القانون الذي يضمن السلامة الجسدية لهم. ومن خلال مقاطع الفيديو، تظهر عملية اعتقالات فعلا، لكن دون استعمال العنف المؤذي جسديا أو الذي قد يلحق أضرارا بالأشخاص.
ومن الناحية السياسية، وفي معادلة الأغلبية والمعارضة والحكومة، لا يمكن اعتبار أن هذه الاحتجاجات هي نقطة سلبية للحكومة فقط وتبرز فشلها في بعض السياسات العمومية كالصحة والتعليم، وإنما فشلا للمعارضة كذلك، نظرا لعدم تبنيها لهذا الشكل الاحتجاجي وعدم تأطيرها للمحتجين، ما يؤكد غياب التواصل والثقة بين هذه الشريحة من المواطنين ومكونات المعارضة السياسية. وهو ما قد يُفسَّر بفشل على مستوى المشهد السياسي ككل، حيث تراجعت كل القوى السياسية وتوارت عن الأنظار، وتركت المحتجين في مواجهة مباشرة مع أجهزة حفظ النظام العام، دون محاولة لعب دور الوساطة أو التواصل وأداء واجبها كفاعل في الساحة السياسية، بغض النظر عن موقعها في الأغلبية أم في المعارضة. وهو ما يعمق الفجوة بين المواطن والفاعل السياسي.
من جهة أخرى، تطرح مجموعة من علامات الاستفهام عن جدوى هذه الاحتجاجات أصلا، ففي الوقت الذي يعرف فيه المغرب دينامية منقطعة النظير على مستوى الإصلاحات الاستراتيجية والمشاريع الكبرى التي يطلقها عاهل البلاد، والتي لها تأثير مباشر على البنية التحتية وفرض الشغل وتحريك عجلة الاقتصاد، نجد من جهة أخرى بعض الأصوات تبخس كل المجهودات وتحاول تسويق العدمية. زد على ذلك التفاعل السريع للحكومة مع بعض المطالب المجتمعية التي عبّر عنها المواطنون، خصوصا بعد مسيرة أيت بوغماز ووقفة مستشفى الحسن الثاني بأغادير، إلا أنه يستحيل الاستجابة لكل المطالب، فحتى الدول الأكثر تقدما وتطورا تعرف بعض النقائص في بعض الخدمات.
في نفس السياق، لا يمكن تخوين المواطنين الذين خرجوا في هذه الاحتجاجات، فهو شكل من أشكال حرية التعبير، وخروج بعضهم ليس إلا لمناشدة الإصلاحات والمطالبة بتجويد الخدمات. خصوصا وأن أغلب المظاهرات لم تعرف أعمال عنف ولا تخريب. كما لا يمكن اختزال الشعب في الفئة التي خرجت فقط، أو اعتبار المواطنين الذين لم يتظاهروا مواطنين من درجة أقل. فالوطنية ليست مجالا للمزايدة، والشعب يتكون من مزيج من الميولات والانتماءات، بين منصات طوطو والستاتي وولد الحوات لاكامورا، ومجالس ياسين العمري وسعيد الكملي، ومتتبعي الفايد وعصيد والفزازي… وغيرها من مظاهر تعدد الميولات.
يبقى الحل لهذه الحركات الاحتجاجية هو الاحتواء عوض الاصطدام، وتغليب الحكمة، وتحمل كل الفاعلين لمسؤولياتهم. فلا يعقل أن يبقى الفاعل السياسي مرتاحا في مسكنه في الوقت الذي تتواجه فيه فئتان من الشعب في الشارع، بسبب سياسة حكومية لا دخل لأي منهما فيها. كما أن باقي مكونات المجتمع مطالبة بالتدخل، من نقابات وجمعيات ومنظمات، للعب دورها وتسجيل موقفها للتاريخ، والمساهمة في بناء كل محطات الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى