
الدار/ زكريا الجابري
تحوّلت عبارة واحدة أطلقها أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إلى شرارة جدل واسع أعادت إلى الواجهة النقاش حول شفافية منظومة الدعم العمومي وجودة الدقيق المدعم. فبين من قرأ فيها اتهاماً مباشراً لشركات تموينية بـ”طحن الورق”، ومن رأى فيها مجازاً لغوياً لا أكثر، وجد التويزي نفسه أمام عاصفة إعلامية وسياسية دفعت به إلى توضيح موقفه للرأي العام.
في بلاغه التوضيحي، سعى التويزي إلى وضع النقاط على الحروف، مؤكداً أن ما قصده بعبارة “طحن الورق” لا علاقة له بأي خلط مادي أو مواد غير صالحة تُزج في الدقيق، بل هو تعبير شعبي يُستعمل في اللهجة المغربية للإشارة إلى “التلاعب في الوثائق والفواتير” بهدف الاستفادة غير المشروعة من الدعم العمومي. وأوضح أن “من المستحيل منطقياً أن يُستخدم الورق في إنتاج الدقيق، لأن قيمته السوقية تفوق بكثير سعر القمح نفسه”، في إشارة إلى أن ما أُثير مجرد تهويل وسوء فهم متعمد.
لكن خلف هذا الجدل اللغوي، تبرز قضية أعمق تتعلق بثغرات نظام الدعم العمومي في المغرب. فالتويزي، الذي وجد نفسه في قلب العاصفة، حاول أن يعيد توجيه النقاش نحو جوهر تدخله البرلماني: ضرورة مراقبة مسار الدقيق المدعم وكميات الإنتاج المصرّح بها، وضمان ألا تتحول آليات الدعم إلى مصدر ربح غير مشروع على حساب الفئات الهشة.
ورغم محاولته تهدئة العاصفة، إلا أن ردود الفعل على تصريحاته أظهرت حجم التوتر القائم بين السياسيين والرأي العام في ما يتعلق بقضايا الشفافية والرقابة. فبعض الأطراف استغلت العبارة لإحراج حزب الأصالة والمعاصرة، فيما اعتبر آخرون أن “الزوبعة” الإعلامية كانت مفتعلة لإلهاء المواطنين عن جوهر النقاش المالي والاجتماعي المطروح.
في ختام بلاغه، جدّد التويزي تأكيده على المضي في الدفاع عن إصلاح منظومة الدعم، والدفع نحو رفعه التدريجي عن المواد الأساسية مثل غاز البوطان والدقيق، مع توجيه الدعم مباشرة إلى الأسر الفقيرة، في ما اعتبره خطوة ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان كرامة المواطن المغربي.
هكذا، تحولت عبارة عابرة إلى مرآة عكست هشاشة الخطاب السياسي وعمق أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الرقابة، لتذكّر من جديد بأن المعركة الحقيقية ليست في الكلمات، بل في الأفعال التي تضمن أن لا يُطحن “الورق” ولا “الكرامة” في طاحونة المصالح.






