شريفة مسكاوي.. قصة ملهمة من سجل نداء الوطن وتأطير متطوعات المسيرة الخضراء
شريفة مسكاوي.. قصة ملهمة من سجل نداء الوطن وتأطير متطوعات المسيرة الخضراء

“شريفة مسكاوي” من مواليد حاضرة دكالة سنة 1951، امرأة تختزل قيم الوفاء والروح الوطنية، وواحدة من النساء اللواتي لبين نداء الوطن وتجاوبن، بدون تردد، مع إعلان المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني لتنظيم المسيرة الخضراء في 16 أكتوبر 1975.
فهذه المرأة، المعروفة داخل الأوساط الجديدية ب “الغزالة الذهبية” بالنظر لمساهماتها الكبيرة في مجال الرياضة وتأطير الشباب، تجسد وعلى طول مسيرتها الرياضية الحافلة مبادئ التشبث بحب الوطن، الذي شكل لها نبراسا في حياتها توج بتوشيحها بوسامين ملكيين، من طرف الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس، عرفانا بمنجزاتها ونجاحاتها وتفانيها في عملها وإخلاصها لوطنها.
وقد برز اسم “مسكاوي”، التي تألقت في منافسات الألعاب السباعية وحازت على العديد من الألقاب، في حدث المسيرة الخضراء كمؤطرة لمتطوعات إقليم الجديدة إبان الملحمة المغربية، بعد أن تم اختيارها لتأطير النساء الدكاليات المتطوعات بالمسيرة الخضراء نظير إمكانياتها المتعددة ومعرفتها الكبيرة بدروب وملاعب ومدارس مدينة الجديدة، حيث كانت المرأة المناسبة للمهمة المناسبة.
فمواهبها المتعددة وانشغالاتها الجمعوية وقربها من فتيات المدينة، خصائص جعلت منها إسما فرض نفسه بقوة لتولي مهمة نبيلة تمثلت في تأطير المتطوعات باعتبار هذه الشريحة تمثل القوة الخفية في قلب المسيرة الخضراء.
وفي بوح خاص لوكالة المغرب العربي للأنباء، عبرت مسكاوي، الإطار السابق ومؤطرة للفئات الصغرى بوزارة الشباب والرياضة، عن سعادة لا توصف بما قدمته من خدمات جليلة إبان المسيرة الخضراء، “الحدث النوعي الذي جسد أروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي”.
وأضافت أن ما قامت به يدخل في إطار تلبية النداء الملكي المدفوع بالحس الوطني إلى جانب متطوعات سخرن جهودهن لخدمة المشاركين والمشاركات في الحدث الكبير، مؤكدة أن الخطاب الملكي، شكل لها حافزا قويا رفع من معنوياتها ورغبتها في المشاركة التي تحققت بعد أن كان حلما روادها من قبل.
وتابعت أن جماعة مولاي عبد الله أمغار كانت مسرحا لأول لقاء تحضيري أشرفت على تأطيره وكان عبارة عن مسيرة مصغرة تحاكي الحدث الأكبر من خلال تنظيم أنشطة مكثفة همت كيفية تدبير التموين وبناء الخيام وتخزين الأدوية والأكل وكل الوسائل اللوجستية والتنسيق بين المشاركات في كل ما يتعلق بنجاح هذه المحطة الوطنية الخالدة.
وبسرد ممتع مفعم بمزيج من الشوق والحنين، تحكي هذه المتطوعة عن انطلاق الموكب من الجديدة صوب مراكش ثم أكادير والوصول إلى طرفاية وما صاحب الرحلة من لحظات وأحداث كان لها الأثر الكبير على نفوس المشاركين خاصة الهتافات والزغاريد وحفاوة الاستقبال والكرم الذي لقوه من المواطنين على طول الطريق مما أنساهم تعب السفر وبعث فيهم الإحساس بمشاعر الأبطال.
وانطلاقا من حرصها على أداء المهمة المنوطة بها، كانت مسكاوي تعد برنامجا غنيا يتضمن أنشطة متنوعة (تمارين رياضية بسيطة، فقرات لحفظ الأغاني الحماسية، فقرات للحكي الشفهي ..) عند كل محطة استراحة في خطوة لتكسير الروتين وتعب طول المسافة.
أما في طرفاية، مكان تجمع مختلف الوفود القادمة من مختلف أنحاء المملكة، تستعيد مسكاوي نبض الملحمة المفعمة بالحماس وبحب الوطن الذي يوحد 350 ألف متطوع ومتطوعة، حيث اتخذت كافة الترتيبات لإيواء المتطوعين وتوزيع الحاجيات الضرورية من طعام وماء وأدوية، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة متنوعة للحفاظ على حماس ومعنويات المتطوعين.
في هذا الصدد، أعربت شريفة عن سعادتها كونها كانت من بين الفريق الذي تكلف بالمهمة، حيث كانت تعد برنامجا متنوعا تضمن، أساسا، تنظيم حصص رياضية صباحية على رمال شاطئ طرفاية، وتمارين في رياضة المشي والسباحة وتنظيم مباريات في كرة القدم للرجال وأخرى في كرة الطائرة، فضلا عن رياضات تقليدية، معربة عن فخرها كون هذه المحطة شكلت لها فرصة مواتية لإجراء تمارين رياضية منتظمة صباحا ومساء تحضيرا لألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975 .
وفي الفترة المسائية، كانت مسكاوي تشرف، إلى جانب متطوعين آخرين، على تنظيم فقرات فنية وترفيهية ومسرحية بمشاركة مجموعات وفرق من المشاركين في المسيرة كانت تؤدي وصلات غنائية من مختلف الألوان المغربية، وذلك باستعمال الشاحنات كمنصات وخشبات وأضواء السيارات والحافلات كإنارة وسط رمال ذهبية كانت تضفي أجواء حماسية متميزة.
وأردفت قائلة لقد تواصلت الأجواء الحماسية إلى حين الخطاب السامي للراحل الملك الحسن الثاني لانطلاق المسيرة الخضراء حيث اكتملت الفرحة الكبرى عندما تحركت الحشود يوم 6 نونبر 1975 في نظام وانتظام، مشيا على الأقدام، نحو “الطاح” رافعين الأعلام الوطنية وصور المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني والمصاحف، مرددين شعارات حماسية تؤكد مغربية الصحراء.
وفي لحظة توقف واستحضار هذه الأجواء الحماسية، تقول مسكاوي أن ملحمة المسيرة، التي كانت فكرة عبقرية أبدعها الملك الراحل الحسن الثاني، أعطت درسا كبيرا للعالم حيث تم استرجاع الحق بالسلم والسلام والايمان العميق المقرون بمبدأ الانتماء وتحقيق المراد.
واعتبرت أن المسيرة، منذ إعلانها وإلى غاية العودة، كانت مليئة بالذكريات الجميلة وساهمت في تعزيز الروابط الاجتماعية وزرعت في المتطوعين قيم المواطنة الحقة والمحبة وروح التدبير والمسؤولية تجاه القضايا الكبرى للبلاد.
وتابعت أن ملحمة المسيرة لم تنتهي بمجرد إسترجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة، بل تواصلت في دروب النماء والتقدم عبر استثمارات واسعة في مختلف القطاعات، إلى جانب إطلاق استراتيجية جديدة للنموذج التنموي في هذه الربوع من المملكة.
وعلى الرغم من مرور خمسين عاما على الحدث الوطني الكبير، تبقى المسيرة الخضراء درسا حيا ومرجعا في الدفاع عن الوطن وإلهاما للأجيال الصاعدة لتغترف من ينابيعه لمواصلة مسيرات بناء المغرب الجديد.






