صناعة الإسلاموية: حين يصل التطبيق الحرفي للقرآن مدى بعيدا لدى التبليغيين؟
الدار/ حكيم القروي
اتبع إلياس مسارا دينيا في مدينة "غانغوه"، وفي مدارس الحركة الديوبندية، ودرس أقوال الرسول والروايات المرتبطة بحياته وبالأحاديث النبوية التي قام بنقلها إلى ساكنة "المواتيس" بنفس الطريقة التي كان الرسول يدعو بها أهل البداوة. وعرفت دعوته نجاحا كبيرا بفضل بساطة رسالته وشدة التزامه الشخصي. وكان إلياس يرى أن كل مسلم يحمل الإيمان في قلبه، غير أن هذا الأخير قد يتأثر بعوامل خارجية، لذلك وضع ستة مبادئ لحركة "التبليغ" هي: الشهادة، وإقامة الصلاة، ومعرفة الله واستحضاره، واحترام كل مسلم، والصدق في النية، وتخصيص وقت للدعوة إلى الله. ويفترض في كون أن هذه المبادئ تمكّن كل مؤمن من اكتشاف نور الإيمان الكامن في قلبه. وإذا ما المبدأين الأولين يندرجان ضمن أركان الإسلام، فالمبادئ الأربعة المتبقية "تؤدي بسرعة إلى إحداث تغيير كلي في حياة المسلم، وتعينه على القيام بواجباته الدينة على أتم وجه".
ويحاول التبليغيون أسلمة كل نواحي الحياة اليومية بجعل الرسول نموذجا يحتذى به: فكل أفعاله على صغرها خاضعة للعناية الربانية. إن التطبيق الحرفي للقرآن يصل مدى بعيدا لدى التبليغيين، فهم يرون أنه لا يكفي المرء أن يكون مسلما، بل يجب عليه أن يتصور ذلك في هيأته، خصوصا عن طريق تقليد الرسول في الملبس (من إطالة اللحية وارتداء أقمصة بألوان فاتحة إلى غير ذلك) لأنه كان محط الموافقة الربانية. ويكتسي التطبيق الحرفي للقرآن ميزة أساسية حتى غدا خصيصة من خصائص الحركة. وعلى النقيض من التأويل الإسلامي الشائع، يرى التبليغيون أنه ليس بالإمكان تأخير الصلاة ولو عند الجهاد، وبأن أول فعل اعتقادي هو نطق الشهادة باللغة العربية فقط. ويعتقد أتباع جماعة التبليغ أن كل صلاة تمحي الذنوب المرتكبة بعد الصلاة التي سبقتها، وبما أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بـ 27 درجة، فهناك حاجة مطلقة لإقامة الصلاة جماعة.
أما الركن الثالث (الاستحضار) فيكمن في ذكر الله، حيث يقومون بترديد ثلاثة أدعية صغيرة بالعربية كل يوم مئة مرة، في الصباح والمساء. وتصبح حياة الفرد اليومية على هذا الأساس تحت العناية المستمرة لله. ومن جهة أخرى، يجبر الذكر الأتباع على تعلم العربية باعتبارها لغة الدين الوحيدة. وبفضل "التبليغيين" تعلم عدد كبير من المهاجرين المغاربيين اللغة العربية في فرنسا؛ بينما ستأسس الركن الخامس (صدق النية) على فكرة وجوب اتباع تعاليم الإسلام ابتغاء مرضاة الله، وليس لتحقيق أي مآرب دنيوية. ويمثل هذا المبدأ حجر زاوية التبليغيين في مواجهتهم للمؤسسات الدينية التي تفتخر بمعرفتها للإسلام وتنظر إلى حركة الدعوة بنوع من الازدراء لأنها موجه إلى الأميين.
وفي النهاية، ربما يمنح المبدأ الأخير للتبليغيين (تخصيص الوقت للدعوة) تفرد عمل الجماعة لأنه يعد أصل الانتشار العالمي للحركة. فكل تبليغي مفروض عليه نشر الرسالة بغرض تحقيق هدف مزدوج: تصحيح الإسلام واستقطاب أتباع جدد يقومون بدورهم بحمل الرسالة التبليغية لكل المعتقدين. ويتمز نشاط الدعوة المتنقلة بكون مقننا ويتمثل في خرجة صغيرة، كالذهاب على سبيل المثال إلى أحد المساجد أو مراكز التكوين، وفي خرجة كبيرة تقود التبليغيين إلى طرقات فرنسا وأوربا لمدة أسابيع وربما أشهر.