المواطن

الإجهاض في المغرب.. بين التجريم والقبول

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

 

كثيرة هي علاقات الحب، أو كما يسميها البعض العلاقات الجنسية الخارجة عن إطار الزواج، التي تثمر أبناء غير شرعيين، إنهم أطفال اللعنة كما يحلوا للكثيرات تسميتهم، كونهم يشكلون النتيجة غير المتوقعة لعلاقات جنسية ربما تكون عابرة، الأمر الذي يجعل المعنية بالأمر أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تكون أما عازبة وتقبل بالعيش تحت رحمة أعين المجتمع  التي تسمها بوسوم تحط من قيمتها، أو الخيار الثاني وهو الإجهاض، الأمر الذي يضطرها إلى التخلص من الجنين بطرق شتى، المهم هو الخلاص من العار الذي تراه مدعاة لارتكاب جرم القتل.

وتتعدد الحالات التي تثبت هذا الوضع، خصوصا وأن هناك من الحالات من فضلن مواجهة المجتمع والاعتراف بالخطأ، غير أن حالات أخرى تقدم على وضع حد نهائي لخطيئتها الجنسية، التي أنتجت جنينا غير شرعيا، غير أنها لا تسمح له بالخروج إلى الوجود. موقع "الدار" يقربكم من الموضوع.

 

"الإجهاض ليس جرما… بل الحل الأنسب"

من خلال اطلاع أولي حول واقع الإجهاض في المغرب، يتبين أن الأحياء الجامعية تعتبر اختزالا مختصرا للواقع المعيشي في المجتمع، خصوصا وأن الإجهاض يتبين أنه أضحى واحدا من العادات التي جرى بها العرف، كلما انزاحت العلاقة الجنسية غير الشرعية عن الحدود المسطرة لها، لتغدو بذلك عملية الإجهاض أمرا طبيعيا، كما لو كان الأمر غير مرتبط بإزهاق أو إعدام روح بشرية بريئة من الخطيئة التي جائت بها إلى الوجود. 

(سارة. ن) شابة في مقتبل العمر تبلغ 24 سنة، تتابع دراستها في العلوم الفيزيائية سنة ثانية بسلك الماستر، تقول في حديثها لموقع "الدار"، إن الإجهاض كان بالنسبة لها الحل الأمثل في أكثر من مرة للتخلص من جنين هي لا تهتم لأمرهن خصوصا وأنها تقول في الظرفية الحالية ليس بوسعها تحمل مسؤولية الرعاية والتربية، كونها لم تتم  مسارها الدراسي بعد ولا يمكن أن تتفرغ لرعاية طفل بدون أب.

عن قصتها الأولى مع الإجهاض تحدثنا سارة، وتقول إن عملية الإجهاض الأولى التي أجرتها، لم تكن البتة أمرا صعبا، بل أجرت التحاليل الأولى التي كشفت أنها حامل، للتوجه بعد إرشاد من صديقاتها إلى إحدى النساء اللواتي يقمن بالإشراف على توليد النساء وكذلك إجهاض الأجنة بطريقة تقليدية، من خلال الاعتماد على مجموعة من الأعشاب التي تشرف على تقديمها للمعنية بالفتاة على شكل جرعات إلى أن تكتشف في إحدى الصباحات أنها تخلصت بالفعل من الجنين، وبإمكانها مباشرة حياتها اليومية بشكل عادي.

تقول سارة" كلفة الإجهاض لم تكن كبيرة، ولم تتجاوز 3000 درهم، أما عن شعورها حيال  عملية الإجهاض الذي اعتبرته الحل الأنسب، ولم تقل قط إنه جريمة، فقد أكدت أنها لا تشعر بالذنب حيال ما فعلته، لأن الأمر لا يرتبط بعلاقة جادة تريد أن تصبح من ورائها أما، بقدر ما ارتبط الأمر بنزوة عابرة.

 

"لا أقوى على إجهاض جسد نفخ فيها الروح"

على خلاف سارة التي اعتبرت الإجهاض عملية مقبولة، قالت فتاة أخرى تحفظت عن ذكر اسمها وهويتها الحقيقة عن الإقدام على خطوة كهذه، بل أصرت على معالجة الخطأ بالطريقة الصائبة بدل ارتكاب محل الخطأ خطأين، ومن ثم فقد قررت الاحتفاظ بجنينها، بعدما احتمت بإحدى الجمعيات التي ترعى الأمهات العازبات بالبيضاء، إلا أنها فضلت ألا تخبر العائلة الوصية بمكان تواجدها، اتقاء لشر الانعكاسات السلبية التي قد تطال وضعها، خصوصا وأنها تخشى أن تصبح ضحية شرف إذا علمت الأسرة بأنها أصبحت أما عازبة نتيجة إقامتها علاقة جنسية غير شرعية.

 

الإجهاض محرم قانونيا …ولكن النقاش مفتوح

 من الناحية القانونية، يقول بدر السريفي الباحث في القانون الجنائي في تصريح لموقع "الدار"، إن القانون المغربي وبالنظر للمادة 453 من قانون العقوبات بالمغرب، يعتبر الإجهاض ممنوعا إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي تكون حالة الأم معرضة للخطر، ويكون إجهاض الحمل وتخليص المرأة الحامل من الجنين هو الحل الأنسب.

وأشار أن ارتفاع عدد العمليات التي تتم في السر، والتي تكون سببا إما في تدهور الحالة الصحية للمرأة الحامل، أو مفارقتها للحياة في حالات أخرى، كان هو العامل الأساسي وراء فتح النقاش من أجل تنزيل الحلول الكفيلة بتجاوز هذه الوضعية، معتبرا أن تنصيص قوانين تنظم الإجهاض، هي الخطوة الأولى التي بوسعها أن تحد من الأزمات الإنسانية التي تحدث في الخفاء والتي تذهب أرواح العديد من النساء.

 

في السياق ذاته لا يمكن للرؤية أن تتضح، بعيدا عن لغة الأرقام، عير أن الدراسات الواردة في  هذا الصدد تكاد تكون منعدمة بالنظر لغياب الجهات الوصية على تدارس كهذه مواضيع، باستثناء بعض الجمعيات غير الربحية التي ترعى هذه الإشكالية والتي تفيد أنه في  اليوم الواحد يجرى في المغرب ما بين 600 إلى 800 عملية إجهاض، وعدد عمليات الإجهاض غير القانونية التي تُجري سنويًا في المغرب يبلغ حوالي 220.000 عملية، وهذه النسبة تظل تقريبية فقط بالنظر لغياب الدراسات والأبحاث الميداينة المحكمة، كونها تشير أنه من بين 8.29 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عامًا في المغرب، واحدة على الأقل من أصل 38 خضعت لعملية إجهاض في عام 2014.

 

الدين يحدد موقفا… والاجتهادات تتعارض

بخصوص موقع الدين من الإجهاض، فإن الباحثين في هذا الصدد يؤكدون أن الاختلاف هو سيد الموقف في تحديد موقف الشرع، لأن هناك من المذاهب من جرم الإجهاض قطعا، بينما أخرى تفيد بأن هناك مجموعة من الحالات الاستثنائية التي يباح فيها الإجهاض حفاظا على سلامة الأم.

في هذا السياق أفاد الباحث في الفكر الإسلامي محمد البوكيلي في تصريح خاص لموقع "الدار"، أن الإسلام حرم في البدء الأسباب التي قد تفضي إلى اتخاذ قرار الإجهاض، وهي العلاقات الجنسية غير الشرعية التي تدخل في خانة المحرم، ومن ثم فالإجهاض هو الأمر الذي يعتبر مرادفا للقتل العمد، مادامت هناك نية على إزهاق روح بشرية كتب لها الخروج إلى الوجود، مشيرا أن هذا لا يعني وجود مجموعة من الاستثناءات التي تبيح الإقدام على الإجهاض والأمر هنا يتعلق بالحالات التي تكون فيها حياة الأم معرضة للخطر، حينها فقط يكون من الأنسب الإقدام على وضع حد لهذا الحمل بالنظر للانعكاسات السلبية التي قد يولدها، وأضاف أن الإسلام يظل في جميع الحالات رحيما بالمسلم، وما جاء التحريم إلا بهدف الحيلولة بينه وبين الضرر، ومن ثم فالقرآن واضح في الأمر، خصوصا وأن التنصيص على تجنب الخطوات المؤدية إلى التهلكة تكون دائما محرمة، مصداقا لقوله تعالى" ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، أي الطرق المؤدية إلى الوقوع في الفاحشة والمحظور، ومن ثم فإن اجتناب الأسباب التي فيها نوعا من تذييل الوقوع في الذنب هو الحل الأنسب لتجنب كهذه وضعيات حرجة. على حد تعبيره.

 

الدين يتجاوز…لكن نظرة المجتمع لا ترحم

وفي الصدد ذاته، يشير عبد الصمد الديالمي، الباحث في علم الاجتماع، أن المشكل هنا لا يعتبر مشكلا دينيا بقدر ما يعتبر جدلا تسمع العديد من المعيقات الاجتماعية، لأن المرأة حينما تتخلص من الجنين حتى ولو كان الدافع هو الحفاظ على السلامة الصحية للأم، إلا أنها تجد أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى العديد من الإشكالات الأخرى، من قبيل توصيفها بصفات تحط من كرامتها، وتدينها بسبب علاقتها الجنسية التي أنتجت هذا الجنين غير المرغوب فيه، ومن ثم شدد على ضرورة تسليط الضوء من الناحية الاجتماعية، مشيرا أن المرأة العربية تضع في الحسبان نظرة المجتمع إليها، أكثر من موقف الدين من قرارها.

 

الشرايبي: المشكلة قائمة والأرقام لا تعكس هول الظاهرة بوفاء

طبقا للدراسات التي تنشرها "الجمعية المغربية لمناهضة الإجهاض السري" يتبين أن هذه الظاهرة  تنتشر بشكل كبير وملفت للانتباه،ه غير أن غياب المعطيات الرقمية والدراسات المحكمة لا يسمح بتكوين نظرة شاملة حول حجم الظاهرة في المغرب، حيث تفيد الجمعية، أن كل عام بالمغرب تجرى ما يقارب 200,000 ألف عملية إجهاض سرية، وهو الأمر الذي يخص النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و44 سنة، علما أن هذه المعطيات تخص بالأساس المعطيات المرتبطة بسنة 2014، أكثر من ذلك فإن الناشطين في هذه الجمعية التي تعتبر جمعية غير ربحية، فإن كل يوم يتم تسجيل ما يقارب 600 و800 عملية إجهاض سرية في المغرب، الأمر الذي يزيد من حدة المخاطر التي تؤثر على صحة النساء الحوامل.

البروفيسور شفيق الشرايبي، واحد من أبرز الناشطين في هذه الجمعية والذي انخرط في النقاش الدائر حول الإجهاض السري في المغرب، يوضح في تصريح لـ"الدار" أن إشكالية الإجهاض السري في المغرب، تعتبر واحدة من المشاكل الكبرى التي لا تحظى بالنقاش المفروض، خصوصا وأن الموضوع كبير ويثير مجموعة من التحديات التي تهدد حياة النساء الحوامل، لكن بالرغم من ذلك فإن الموضوع لا يحظى بالأهمية الكافية، مشيرا إلى أن معظم اللقاءات التي يجريها مع النساء اللواتي خضعن للإجهاض السري، بالرغم من كونهن تخلصن من الأجنة غير الشرعية، إلا أنهن أصبحن عرضة للعديد من المشاكل النفسية والاضطرابات العقلية التي تهز استقرارهن، وتقض مضجعهن خصوصا وأنهن خضعن لعمليات الإجهاض في ظروف غير صحية، الأمر الذي أنتج في الوقت نفسه مجموعة من التداعيات الصحية التي تتمثل أحيانا في الالتهابات والنزيف الحاد الذي يعقب الإجهاض وتتولد عقبه مجموعة من الاضطرابات الصحية مع توالي الزمن.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + 16 =

زر الذهاب إلى الأعلى