تنوع الأساليب القتالية لا يدمر العزائم والهمم
سليمة فراجي
لا نجادل في كون اختلاف وجهات النظر لا يعتبر منقصة، صحيح أنه قد يؤدي إلى أزمات صعبة الانفراج، وأن الأزمات إن لم تكن قاتلة ومؤدية إلى الموت الزؤام أو الموت البطيء، تكون مقوية ومدعاة لرفع التحديات، لأنها تلد الهمم، لكن عندما نفتقد إلى سياسيين من الطراز الرفيع، وتكون السياسة مهنة من لا مهنة له، وملاذا لكل من ادعى مسارات حقوقية نضالية مزيفة، ويكون الرقص على أشلاء المواطن هو السائد من طرف كائنات غريبة تدعي إتقان البوليميك السياسي والخطابات الجوفاء وتعظيم البعض عن طريق الأقلام المأجورة، في الوقت الذي أثبت سقوط الأقنعة أنها تقاتل وتستقتل وتمكر وتنسج الخطط رغبة في الصمود واعتلاء الكراسي والمزيد من حصد المنافع والمكتسبات، آنذاك نصاب بالإحباط وندرك أن الإرادة الجماعية لمناضلي الحزب من جميع الجهات وبانخراط مختلف الأطياف هي وحدها القمينة بإيقاف النزيف وإبعاد شبح تفجير الحزب وهياكله وشرعيته.
وإذا تشبث المناضلون بمشروع الحزب بعيدا عن الشخصنة وفي الوقت نفسه التحم المؤسسون بالملتحقين، وكان المعيار هو الجدية والانتصار للمصلحة العامة، فإن الحروب الوسخة مهما تعددت أساليبها القتالية ومهما استعملت فيها الأسلحة الثقيلة الظاهرة والخفية، فإنها لن تتمكن من تدمير العزائم والهمم، وكل من اقتنع بكون العمل السياسي هو انخراط إرادي مسؤول هدفه بالأساس خدمة الشأن المحلي والجهوي والوطني، والارتقاء به يعني بالأساس تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة في إطار الاحترام المتبادل، والتقيد بالقوانين والأنظمة، والقطيعة مع مرحلة تقديس الزعيم والشخصنة والاغتناء اللامشروع وقضاء المصالح الخاصة، وعوض ذلك الانتصار لأبجديات الحداثة والديمقراطية والفكر المتنور الراجح والايديولوجية التي سطرها مؤسسون من أجل مغرب القيم والمبادئ، ومجتمع ديمقراطي منفتح يضمن التنمية والعدالة الاجتماعية والجمالية، ويصون كرامة الإنسان، علما أن الصراعات الشخصية والسباق المحموم نحو الكراسي والتصدي ولو بالعنف والحيل لكل من حاول الاقتراب منها يجعل المواطن يستنتج أنه خارج أي مشروع يعنى به، وما في ذلك إلا إثبات واقعة الاستماتة من أجل قضاء المصالح الخاصة، الشيء الذي يؤجج الاحتقان ويذكي نار الحقد والضغينة ويدفع المواطن إلى تبخيس كل ما له علاقة بالعمل السياسي والحزبي وما يستتبع ذلك من عزوف وتصويت عقابي في المحطات المقبلة.
صحيح أن الحزب أصبح كالجمعية السرية، كما قال برنارد شو عن الزواج، الخارج عنها لا يعلم عنها شيئا والداخل فيها لا يقول عنها شيئا، في ظل دستور يخول حق الوصول إلى المعلومة، ولكن هذا لا يعني أن يصبح في مهب الريح وضحية المكائد والتبخيس، وإذا كانت الأحزاب تساهم في بناء الأنظمة الديمقراطية، بل تعتبر ضامنا رئيسيا لتعميق وتقوية الديمقراطية، فهل يعقل في ظل دستور قيل عنه إنه ثوري في مجال الحقوق والحريات وفصل السلط أن نفترض أن تتعرض الأحزاب لأساليب قتالية اقتتالية متمثلة في الترغيب والترهيب والاختراق والتهديد بالانشقاق؟ أكيد أن الضمائر الحية لن ترضى بتلك الممارسات.
ولعل جروح الكبار بلسع النار تلتئم!