حوار الأديان… الصيغة المغربية
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
يعتبر الاختلاف أمرا واردا في جميع مناحي الحياة، خصوصا المرتبطة بالجانب العقائدي والدين، الأمر الذي يفرض اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بتجنب التطرف الذي يفضي إلى الخلاف، ومن ثم فإن تبني السلم وحوار الأديان هو الحل الوسط الذي يخلق التعايش بين الديانات جميعها على اختلافها. موقع "الدار" يدرس الموضوع.
الاختلاف والخلاف
بداية وقبل الدخول في لب الموضوع، وجبت الإشارة إلى أن حوار الأديان، يفيد التفاعل والتفاهم بين مختلف الأفراد بالرغم من اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم الروحية، وهذا المبدأ يطال الجانبين معا الفردي وكذلك المؤسساتي، بهدف قبول الآخر وخلق التعايش بين جميع الديانات، وتشير الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، أن حوار الأديان يغدو ضرورة أساسية خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمجتمعات التي تعمرها الأقليات الدينية، هذه الأخيرة التي تضطر أحيانا إلى إخفاء ديانتها، اتقاء لشر التعرض للتنكيل والتمييز العنصري.
تشير الدراسات التي تعنى بتدارس حوار الأديان، أن الأمر يخص الحوار بين الديانات السماوية من قبيل الإسلام المسيحية واليهودية، كما يشمل حتى الديانات الوضعية التي أحدثتها أيدي البشر، لأن الهدف المنشود هو التعايش واحترام الإنسانية على اختلاف توجهاتها وأفكارها العقائدية، باعتبار أن السبب الذي وجدت من أجله هذه الديانات حتى لو كانت مبتدعة هو السعي إلى نشر السلم والدعوة إلى التعايش والتآخي بالرغم من وجود الفوارق الدينية التي لا يجب أن تكون مثارا للصراعات.
الإسلام يؤمن بالحوار مع الديانات الأخرى
يقول الباحث في الفكر الإسلامي أحمد البوكيلي في تصريحه لموقع "الدار"، إن الإسلام لم يغفل الدعوة إلى نهج الحوار بين الأديان، خصوصا مع اليهودية والمسيحية، الأمر الذي لا يضع الإسلام في خانة الديانات المتطرفة التي لا تقبل الحوار والتعايش مع الديانات الأخرى، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من الحوار هو نبذ الوقوع في الخلاف الذي يفضي إلى الوقوع في النزاعات والصراعات التي لا تخدم مصالح أي دين، وعزز هذا الموقف بالتأكيد على قوله تعالى" "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ".
وأشار أن هناك مجموعة من الشروط المتواضع حولها بإجماع، والتي يتحتم الالتزام بها في أفق تطبيق الحوار البناء، من قبيل التزام جميع الديانات بنشر الدعوة باعتماد الطرق السلمية، وتجنب العنف أو التطرف، مع اعتماد الحجة والبرهان والمقارعة بالدليل العلمي القاطع، بعيدا عن اللغو في الجدل الآثم والعقيم الذي لا يثمر نتائج ملموسة، بل يسهم في تغليط الرأي العام، مع تكريس الصورة السلبية حول الديانة، لأن تغليب الجدال بغير حجة يحدث نوعا من التكريس لنموذجية سلبية حول الدين.
مشيرا أنه بخصوص القدوة الإسلامية، فإن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، قدم نموذجا يحتذى به في الدعوة والحوار، خصوصا وأنه كان لينا طيب الكلمة يدعو إلى الحوار بالتي هي أحسن، كما كان يجالس اليهود ومعتنقي الديانات الأخرى، ويحرص على استحضار الجانب الأخلاقي والتعامل بأمانة، في محاولة منه على نشر القيم الإسلامية بالطريقة المثلى التي لا تعمق الخلافات العقائدية، فضلا عن كونه كان يحرص على عقد اللقاءات مع القيادات العظمى في كل ديانة على حدة.
"للمغرب دور أساسي في استيعاب التفاعلات الثقافية المختلفة"
وتضيف من جهتها، عائشة حدو، مديرة مركز البحث والتكوين في العلاقات بين الأديان وبناء السلم في تصريح خاص، أن تدعيم الحوار بين الأديان يعتبر ضرورة أساسية لأنه يساهم في قبول الآخر المختلف عنا عقائدية، باعتبار أن حرية التدين حرية شخصية، ويحق لكل فرد أن يعتنق الديانة التي يركن إليها قلبه.
وأضافت أن هذا المركز يقوم بإعداد مجموعة من الأبحاث والمقترحات والمبادرات بشأن القضايا المشتركة، التي تسلط الضوء على رؤية وممارسة الإسلام المعتدل والاعتراف بالآخر والتعايش ونشر ثقافة التسامح والحوار الديني والثقافي.
موضحة أن الحرص قائم أساسا على تنمية خبرة خاصة في مجال الوقاية في مواجهة التطرف والنزاعات ذات الصبغة الدينية من خلال ترويج ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح، بعيدا عن نهج الخصومات والبحث عن الحلول السليمة، بالاعتماد على نماذج إيجابية ومناهج مبتكرة تقوم أساسا على الدورات التدريبية والأوراش التعليمية والتربوية والأيام الدراسية بهدف إكساب المستفيدين من مهارات التواصل وحل النزاعات بطرق سليمة، الأمر الذي جعل هذا المركز يكتسب خبرة مهمة في هذا المجال بعدما أصبح فاعلا أساسيا في التواصل والحوار المجتمعي شأنه شأن باقي الفاعلين في المملكة المغربية.
يتبين من خلال المعلومات التي أمدتنا بها الباحثة عائشة حدو، أن عمل المركز يشكل جزءا من التغيير العميق الذي يشهده المغرب في ظل التوجيهات الملكية لجلالة الملك محمد السادس، موضحة أن هذا الأمر يظهر بشكل جلي من خلال خطب جلالته الذي يتوجه بالأساس إلى الأقليات الدينية.
ويتضح أن الموقع الاستراتيجي الذي يتواجد فيه المغرب كصلة وصل بين الشرق والغرب وكذا بين أوربا وإفريقيا، يلعب دورا أساسيا في التفاعلات الثقافية بين الساحلين الجنوبي والشمالي للبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يتضح من خلال مواجهته للقضايا الحارقة، خصوصا المتعلقة بالأقليات والهجرة والتطرف.
"المغرب نموذح التعايش السلمي…"
وأوضحت أن المغرب يمتلك ميزة أساسية جعلته أهلا لمواجهة هذه التحديات، خصوصا وأنه تمكن من الحفاظ على التعايش السلمي للأديان الثلاثة من خلال نشر الإسلام كدين للوسطية والاعتدال والتعايش السلمي بين الديانات الثلاثة بالرغم من الاختلافات القائمة في هذا الجانب العقائدي.
موضحة أنه باللإضافة إلى ما سبق ذكره فإن المغرب، يلعب دورا متناميا في نشر منهج متميز وفي للتقاليد، لأنه يسلط الضوء على إسلام معتدل منفتح ويعترف بالآخر ويتقبله، من خلال الاعتماد على مخطط عمل ثنائي:
وطبقا للتوضيحات التي حصل عليها موقع" الدار"، فإن المخطط الأول يقوم على وضع أسس البحث متعدد الاختصاصات، في أفق وضع استراتيجيات تعليمية وثقافية وبين عقائدية حول التحديات الاجتماعية الرئيسية فيما يتعلق بتقبل الآخر والعيش المشترك.
أما بخصوص المخطط الثاني، فهو المتعلق بالشباب والمغتربين، والذين يعتبران مستقبل المغرب ومصدره على حد تعبيها، اعتبارا لكونهما أساس العيش المشترك الجديد، مشيرة أنه من المهم أن تعيد هاتان الفئتان اكتشاف وتحمل هذا التراث الإسلامي المشترك والمنفتح من أجل خلق مجتمع أفضل.
"الأفكار الجديدة… قوة دافعة لبناء السلم"
أما عن الأهداف الأساسية التي يتوخى المركز تحقيقها من خلال تدارس موضوع حوار الأديان انطلاقا من الأهمية الكبيرة التي يكتسيها هذا الموضوع، هو العمل على إنشاء مختبر للأبحاث وتدارس الأفكار كقوة دافعة في مجال بناء السلم، في أفق الإسهام في تعزيز ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح وطلك على المساويين الوطني والدولي.
إلى جانب العمل على حلق جسور التواصل من خلال أبحاث متعددة الاختصاصات بين الجامعات والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني، وبصفة عامة بين العلوم الإنسانية والحقل الديني والجمعيات، مؤكدة أن هذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال توسيع المراجع الدينية والروحية لتشمل قضايا بيئية خصوصا المتعلقة بالتحولات المناخية، إضافة إلى التحول الرقمي في أفق تحقيق مجتمع المعرفة.
في السياق ذاته ينضاف العمل على مواكبة وخلق المبادرات وشبكات التواصل على المستويين الوطني والدولي، من خلال العمل على إشراك المغتربين المغاربة خاصة الشباب منهم لتعزيز الخصوصية التي يتمتع بها المغرب ونهجه في التنوع والتعددية الدينية والمدنية في ديناميكية رائدة مبنية على الانفتاح والوفاء لتراثها الحضاري.