الدين والحياة

خطوات عملية لتربية الصغار

إن أبناءنا هم امتداد حياتنا، وهم من زينتنا، قال الله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، فهم وجه مشرق لنا، نكسب برَّهم ودعاءهم واستغفارهم، ونسعى في صلاحهم، ونحن مَجزيون بالخير العظيم عند بذل جهدنا في ذلك، أو محاسبون على تفريطنا وإهمالنا، ولكن هذه الثمرات الإيجابية وأمثالها تحتاج إلى جهد متتابع في تربيتهم منذ صغرهم، فالطفل في سنواته الأولى يبني قواعده التربوية مما يسمعه ويراه ويشاهده، وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا جميعا الحرص على المبادرة في التربية منذ الصغر، فلكل سن ما يناسبه من التربية، فالتربية ضرورة من الضرورات، لنحتسب فيها ونبذل الجهد من خلالها، فهي غرسنا وربحنا في الدارين، فكم سيسعد الوالدان عند صلاح أولادهم، وكم ستقر أعينُهم عند ما يشاهدونهم أخلاقا عالية في أرض الواقع معهم، ومع غيرهم، وهذا كله من مخرجات التربية الصالحة، وسأسوق لكم إخوتي الكرام عشرين خطوة في تربية الصغار، لعلها تكون مفتاحًا لنا جميعًا للاهتمام بهذه الفئة، فهذه الفترة هي البنية التحتية لأعمارهم القادمة بإذن الله تعالى.

الخطوة الأولى: لا بد من المحبة بين الطفل والمربي، فالحب هو جسر القبول والانقياد والاقتداء، ولكل مرحلة ما يناسبها من ذلك، فأنزِل الأمور منازلها، فالطفل تكسبه من خلال كلمة عابرة أو ابتسامة عاجلة أو عطية، ولو كانت قليلة، فإن مثل هذه العوامل تنتج التواصل العاطفي والمحبة، فهي ركن في قبول الأولاد للتوجيه.

الخطوة الثانية: التعامل الإيجابي بين الزوجين ينعكس على الأطفال فما يسمعونه ويشاهدونه، هو ما سيسلكونه غالبًا سلبًا أو إيجابًا، فكم هو جميل أن يتعمَّد الزوجان المعاملة الطيبة أمام الأولاد؛ ليكسبوه خُلقًا لهم مع غيرهم.

يقول أحدهم: دخلت إحدى التموينات، فدخل طفل وأخذ شيئًا من الحلوى وجاء إلى المحاسب وناوله القيمة قائلًا: (خذها يا كذا وكذا، وشبَّهه بإحدى الحيوانات)، فضحك هذا العامل، فيقول صاحبنا: سألته عن هذا التصرف من ذلك الطفل، فقال: كان أبوه يفعل ذلك!

وآخر يقول: ذهبت إلى محطة الوقود، فلما انتهيت ألقيتُ السلام على العامل وحاسبته، ثم شكرته وانصرفت، وفعلتُها مرة أخرى، وأما في المرة الثالثة فتعمَّدت أن يكون ابني الصغير هو الذي يحاسبه، فأعطيته المبلغ، وقلتُ له: حاسبه، فما كان منه إلا أن سلَّم عليه، ثم دفَعها إليه، ثم شكره وانصرَفنا، فهم يعملون على نحو ما يسمعون ويشاهدون من الواقع، فالمشهد الأول في المجال السلبي والمشهد الثاني في المجال الإيجابي.

الخطوة الثالثة: ضعوا لهم برامجَ تناسبهم ولو كانت يسيرة من أخلاق يفعلونها، أو أذكار يقولونها ونحو ذلك، فكم يا ترى سيكسبون من المصالح خلال ذلك، وحقيقته كسب لكم، فماذا لو أنشأته على صلاة الضحى وصلاة الوتر، فيُصليهما طول حياته، والسبب هو أنت، وماذا لو علمته قول: (سبحان الله وبحمده) مائة مرة في كل يوم، والسبب أنت؟ كيف إذا ربيته على أذكار الصباح والمساء والسبب أنت، ماذا لو علَّمته في كل أسبوع قيمة من القيم، كالحياء والسلام والابتسامة وآداب المجالس والمحادثة، كيف سيكون هذا الابن مع هذه البرامج خلال سنة بل سنوات؟ سيكون من الذين اتقوا والذين هم محسنون بإذن الله، والسبب في ذلك كله هو أنت، فيا بشراك حينها!

الخطوة الرابعة: التشجيع والتحفيز على الإنجازات – ولو كانت صغيرة – فهي حافز كبير، خصوصًا إذا كان أمام الآخرين، فالتشجيع وقود التربية وتنميتها، فعندما يطرق سمعه كلمة: (شكرًا)، وكلمة (أحسنت)، وأيضًا كلمة (ما أسعدني بك)، وكلمة (يا سلام)، ونحو ذلك، فكل كلمة تكون سببًا في إنجاز آخر له.

الخطوة الخامسة: أهمية التغافل عن بعض تصرفات الصغار، فالأصل في تصرفات الصغار أن يكون فيها خلل، لكن نتغافل عما يمكن التغافل عنه، ونُرشده فيما لا يمكن التغافل عنه، ولا ندقق في كل شيء، فالتربية يبني بعضُها بعضًا.

الخطوة السادسة: إياك ثم إياك أن تعاتبه أمام الآخرين، فهي مِعول هدم لما تَمَّ بناؤه من ذي قبل، أما أنت فستنساها، وأما هو فلن ينساها، بل هو يؤرِّخ بها، وتبقى على باله وذهنه كلما رآهم، كما أنه يحمل بسببها شيئًا من التحطيم، فاحذَر ذلك.

الخطوة السابعة: تعليم الأولاد الأذكارَ القولية، وهي يسيرة بحمد الله، فيمكن أن يحفظوا في كل أسبوع ذكرًا منها، ويطبقونه طول الأسبوع، ثم في الآخر ذكرًا آخر يحفظونه، فيطبقونهما وهكذا، فسيحفظون خلال عام واحد قرابة خمسين ذكرًا، كأذكار الدخول والخروج، والمنام، والركوب، والأكل والشرب، ونحوها مما هو منثور في كتب أهل العلم، وهذا وإن كان يحتاج إلى نوع من الجهد من الوالدين الكريمين، إلا أن مخرجاته عظيمة، فسيكون الابن والبنت، لا يتحركان إلا بذكر يجري مثل أجرهما للوالدين الكريمين، وربما دلُّوا عليه غيرهم، فعظُمت الأجور لوالديهم، وهذا ما يسميه أهل السلوك والتربية الأوقاف المعنوية.

الخطوة الثامنة: تعظيم أمر الصلاة عندهم؛ حيث إنها رأس الأمر وعموده، فيؤمر بها لسبع سنين، ويتابع بعدها تنفيذًا وتصحيحًا لأقوالها وأفعالها، وحيث إنها متكررة مرارًا عديدة بين فرض ونفل، فكم هو جميل أن يقيم الوالدان دورة لأولادهم بعنوان: (صلُّوا كما رأيتموني أُصلي)، فيشرحونها لهم بخطوات عملية وقولية، ولو كانت عبر أسابيع متعددة.

الخطوة التاسعة: استشارتهم أحيانًا، لتنمية وإثارة أفهامهم وأفكارهم، وتشجيعهم عندما يذكرون رأيًا من الآراء، ويناقَشون حوله، فهذا له آثاره الإيجابية على الأبناء، تنمية وتسديدًا لآرائهم، وربما ذكروا رأيًا لم يكن في ذهن أوليائهم وهذا كثير.

الخطوة العاشرة: زيارتهم في مدارسهم النظامية، وفي حلق القرآن المسائية والسؤال عنهم، والاهتمام بهم، وإبراز إيجابيَّاتهم عند معلميهم، ومن معلميهم لهم، وكذلك إرسال السلام معهم إلى معلميهم، فهي غاية في الأهمية.

الخطوة الحادية عشرة: يحتاج الأبناء في تربيتهم النزول إلى مستواهم نسبيًّا؛ ليستوعبوا تلك التربية، ويمكن أن تكرر لهم بأساليب أخرى؛ حتى تتأسس في نفوسهم وأفكارهم.

الخطوة الثانية عشرة: يؤسس في أذهانهم أن القدوة هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فما وافقه فهو الحق وما خالفه فهو الباطل، كما يؤسس عندهم السؤال عما أشكل عليهم في هذا الجانب، وعدم المسارعة على أحد بحكم معين عند حصول الإشكال.

الخطوة الثالثة عشرة: إعطاؤهم الحرية الممكنة أمامنا أحيانًا، لننظر في سلوكياتهم، فيكون التعديل على إثر ذلك الخطأ أمامنا أيضًا إن وجد، ثم يتابعون في تصحيحه.

الخطوة الرابعة عشرة: في كل تربية تقريبًا قد نحتاج إلى الحوار، لاستخراج ما في النفوس من إيجابيات ومشكلات، أما التوجيه الجامد من دون حوار، فهو تربية، لكن قد يعتريها شيء من النقص، فالحوار مكمل لجوانب التربية كلها.

الخطوة الخامسة عشرة: احرصوا كثيرًا ألا تُسبقوا إلى تعليمهم حال صغرهم سورة الفاتحة، وقصار السور من القرآن، فهم سيقرؤونها طول حياتهم، فيكون لكم مثل أجورهم، أما أن يتعلموا ذلك في المدارس، فهذا خير عظيم، لكن أفضل منه أن ينال الوالدان ونحوهما أجر تعليمهم، فهم مجال خصب لكم.

الخطوة السادسة عشرة: علِّموهم كيف يحترمون الآخرين من كبار، وعمالة، وجيران وغيرهم، فغرس قيمة الاحترام لديهم هي مفتاح باب الأخلاق الحسنة، وعلِّموهم كيف يكون الاحترام مع المزاح، وهذا يحتاج إلى واقع عملي بينكم وبينهم، فعملكم هذا هو دورة تدريبية لهم.

الخطوة السابعة عشرة: حاولوا الجلوس مع المستشارين في التربية، والاستفادة منهم، ومن تجاربهم وعملهم في مجالهم، فلديهم الكثير من الجوانب التربوية التي قد تكون غائبة عن الأبوين الكريمين.

الخطوة الثامنة عشرة: ليست القسوة عند الغضب هي الحل، ولكن التأني والحلم والنظر في العواقب هو الحل، خصوصًا مع الصغار، وهذا يحتاج إلى إدراك كبير من الأبوين الكريمين.

الخطوة التاسعة عشرة: لا تتأخر في التربية عن وقتها، ثم تسعى سعيًا حثيثًا لتستدرك ما فات، وقد لا تدركه، ولكن كن مبادرًا تربويًّا لينتظم عقد التربية ويتتابع.

الخطوة العشرون: الدعاءَ، الدعاءَ، فهو من أقوى الخطوات وأهمها، فصلَح الكثيرون بدعوات مرفوعة في ساعات الإجابة وغيرها، وقد قابلت غلامًا في العاشرة من عمره، ويحفظ القرآن، وشيئًا كثيرًا من السنة، فلمَّا تحدثت مع أبيه، وباركتُ له ذلك العمل، سألته عن التربية، فقال: لم أفعل إلا القليل، ومن هذا القليل أنني لم تمر عليَّ ساعة إجابة تقريبًا إلا ودعوت لذريَّتي بالصلاح وحفظ كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهذا الغلام وإخوانه وبعض أخواته، هم مِن حَفَظَةِ كتاب الله تبارك وتعالى.

هذه عشرون خطوة، وغيرها الكثير مما لديكم، فاعمَلوا على تنزيلها واقعًا عمليًّا مع الأبناء والبنات، لعلنا نراهم غدًا فاعلين صالحين مصلحين، وما ذلك على الله بعزيز.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى