نعمة العقل
لقد ميز الله تعالى الإنسان وكرمه وفضله على سائر المخلوقات بنعم كثيرة، ومن أجلِّها نعمة العقل؛ إذ لا يمكن للإنسان – أي إنسان – أن يعيش حياة كريمة سعيدة راقية إذا لم يكن للعقل فيها نصيب، ولا يمكن أن يعيش حياة مطمئنة سامقة إذا لم يسترشد بهديِ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
إن العقل جوهرة ثمينة يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ اعترافًا بفضلها وخوفًا من ضياعها وفقدانها.
وبالعقل يشرف العقلاء حين يستعملون عقولهم فيما خُلقت له؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 118]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100]، وقـال جـل جلاله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 54].
والقرآن الكريم فيه الكثير من الآيات الدالة على نعمة العقل وأهميته في مجال المسؤولية الفردية والجماعية، والدنيوية والأخروية؛ حيث وردت لفظة "العقل" ومشتقاتها في تسع وأربعين آية؛ من أقواها دلالة وأبلغـها حجـة قـوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الروم: 21 – 24].
ويقول الشاعر:
ألم ترَ أن العقل زَيْنٌ لأهله *** ولكن تمام العقل طول التجارِبِ
ويقول أحدهم:
يقول لك العقل الذي زين الفتى *** إذا لم تكن تقدِر عدوك دارِهِ
ويقول آخر:
يعد رفيع القوم من كان عاقلًا
وإن لم يكن في قومه بحسيبِ
وإن حلَّ أرضًا عاش فيها بعقله
وما عاقل في بلدة بغريبِ
والعقل في الشريعة الإسلامية له دوره في تقبل الأحكام الشرعية وفهمها والالتزام بها، بل يقول عنه فقهاء الإسلام: إنه مناط التكليف، ولكن للعقل حدوده وضوابطه التي رسمها له الشارع الحكيم، ولا يُفهم أن الدين الإسلامي يهمش استعمال العقل بل يدعو إلى استعماله استعمالًا صحيحًا سليمًا بما لا يخالف الدين؛ فالنصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة تحض على النظر والتأمل، والتفكر في خلق السماوات والأرض، واكتشاف ما يكون معينًا للإنسان على عمارة الأرض وخلافته فيها.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، ويقول السعدي رحمه الله في تفسيره: "وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها والتبصر بآياتها وتدبر خلقها… وخص الله تعالى بالآيات أولي الألباب وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهـم"[1].
ويبقى دور التربية الإسلامية بمؤسساتها المختلفة قائمًا ومؤثرًا في تنمية العقل على أسس سليمة بما لا يخالف الشرع، والارتقاء به إلى أقصى درجات العلم والمعرفة؛ لكي يحقق المجتمع المسلم والأمة المسلمة السعادة والتقدم، والخيرية التي أرادها الله تعالى للأمة؛ فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
والحمد لله رب العالمين.