الدين والحياة

“بسم الله” وأهميتها في حياة المسلم

افتتح الله تبارك وتعالى كتابَه العظيم بـ"بسم الله"، وشرع لنا أن نفتتح بها كلَّ قول أو عمل. قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾: (إنَّ الله – تعالى ذِكْرُه وتقدَّست أسماؤه – أدَّب نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديمَ ذِكْرِ أسمائه الحُسنى أمام جميع أفعالِه[1]، وجعل ذلك لجميع خلقِه، سُنَّةً يستَنُّون بها، وسبيلاً يتَّبعونه عليها، فبه افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم)[2].

ولفظ الجلالة ﴿ اللَّه ﴾ في قوله: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾، اسمٌ عَلَمٌ على الله مُختَصٌّ به لا يُوصَفُ به غيره، وهو عَلَمٌ على الذَّات المقدَّسة تبارك وتعالى، فلم يتسَمَّ به غيرُه، ولذلك لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع[3].

فمعنى "بسم الله": أي: بدأتُ بعونِ الله تعالى وتوفيقِه وبركتِه، فهذا تعليمٌ من الله تعالى لعباده؛ ليذكروا اسمَه عند افتتاح القراءة وغيرها من الأقوال والأفعال، حتى يكونَ الافتتاحُ ببركة الله عز وجل.

عباد الله.. وهذا الذي أشار إليه ابنُ جرير الطبري، وردت فيه آيات، وأحاديث في مشروعيته، واستحبابِه عند ابتداء بعض الأمور من الأقوال والأفعال التي يزاولها المسلم في حياته اليومية.

"بسم الله" تصْحَبُكَ – أيها المسلم – في كل مكان وزمان؛ فتصحَبُك عند ابتداء الطعام؛ ليُبارَك لك فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم – لعمر بن أبي سلمة – رضي الله عنه: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ» رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» رواه مسلم.

ولذا أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على ذِكْرِ "اسم الله"؛ فقال: «مَنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلَ طَعَامِهِ، فَلْيَقُلْ – حِينَ يَذْكُرُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ طَعَامَهُ جَدِيدًا، وَيَمْتَنِعُ الْخَبِيثُ مَا كَانَ يُصِيبُ مِنْهُ» صحيح – رواه ابن حبان في "صحيحه". وعَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ" لَكَفَاكُمْ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا؛ فَلْيَقُلْ: "بِسْمِ اللَّهِ"، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَقُولَ: "بِسْمِ اللَّهِ" فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: "بِسْمِ اللَّهِ" فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ» صحيح – رواه ابن ماجه.

ومَنْ أراد أنْ يذبحَ، فلا بدَّ له مِنْ "بسم الله"، لذا شُرِعت التسمية على الذَّبيحة، قال الله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 118]؛ وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» رواه البخاري ومسلم.

وإذا أردتَ أنْ تصيد صيداً؛ فلا غِنى لك عن التسمية، لذا شرعتْ على القوس الذي يُرمى به للصيد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم – لأبي ثعلَبَةَ الخُشَني – رضي الله عنه: «فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ؛ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ» رواه البخاري.

وأنتَ – في الصباح والمساء – لا تستغني عن "بسم الله"؛ لأنَّ الله تعالى يَحْفَظُكَ بها، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ – فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: "بِسْمِ اللَّهِ" الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – ثَلاَثَ مَرَّاتٍ – فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ» صحيح – رواه الترمذي وابن ماجه.

ومِثْلُ هذه الأذكار تحتاج مِنَّا إلى يقين، وحُسن ظنٍّ بالله تعالى، وثقةٍ بوعده، فهذا هو الحِفظ الشامل لحياة الإنسان وصحَّته وأمواله وعقله ودينه، والناسُ يهرعون إلى شركات التأمين المُنتشرة، ويتركون الحفظ الثابت والمضمون من عند الله تعالى. ومَنْ أراد أنْ يحفظ مركبتَه ونفسَه وأهلَه؛ فليقل: "بسم الله".

عباد الله.. لا بد من التسمية عند دخول البيت؛ للتخلُّص من مُشاركة الشياطين لنا في الطعام والمسكن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ[4]: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ» رواه مسلم. وفي رواية لمسلم: «وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ طَعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ».

وتُشرع التسميةُ في الليل عند إغلاق الأبواب وتخميرِ الآنية[5]، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ[6] وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا» رواه مسلم.

وتُشرع التسمية عند الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» صحيح – رواه أبو داود والترمذي.

ومَنْ أراد أنْ يُبعِدَ الشيطانَ عنه وعن أهله وولدِه؛ فلْيُسَمِّ اللهَ تعالى عند الجِماع؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ – حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» رواه البخاري ومسلم.

وتُرافقك التَّسميةُ عند النوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ» رواه مسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى