أكاديمية المملكة.. أكاديميون وباحثون يرصدون مسار التحديث في الصين عبر سياقات تاريخية مختلفة
ناقش أكاديميون وباحثون، اليوم الاثنين بالرباط، في ثاني جلسة ضمن الدورة ال46 لأكاديمية المملكة المغربية، المنعقدة حول موضوع “آسيا أفقا للتفكير”، مسار التحديث في الصين عبر سياقات تاريخية مختلفة.
وأبرز المتدخلون، خلال هذه الجلسة التي تمحورت حول موضوع “الصين والتحديث في سياقاتها التاريخية”، أن المحطات الحاسمة التي مرت بها الصين في تاريخها والمتمثلة في مواجهة الأطماع الإقليمية الأجنبية، والنزاعات الداخلية الناجمة عن كل هذه الهجمات الأجنبية المستهدفة للمس بسيادتها، لا سيما في الفترة ما بين 1860 و1880، أفضى بها إلى التوجه نحو الاقتناع بضرورة اعتماد سياسة للتحديث والنهل من المعرفة الغربية «التقنية».
وفي هذا الصدد، توقف إدواردو رومانو أوليفيرا، عضو أكاديمية المملكة في مداخلة تحت عنوان “اليسوعيون في ماكاو ودورهم في العلاقات الصينية الأوروبية”، عند حضور الأوربيين في الصين الذي بدأ في القرن الـ16، سيما في عهد الإمبراطور الثالث لمينغ، يونغ لي، الذي اشتهر بمشروع استكشاف المحيط الهندي، لكن خطر الغزو القادم من الشمال أجبر الإمبراطور على نقل عاصمته من نانجينغ إلى بكين وبالتالي توقف المشروع.
غير أن الحل البديل، حسب السيد رومانو أوليفيرا، تمثل في اللجوء إلى البرتغاليين للإبحار على طول الساحل، مبرزا أهمية الدور الذي لعبه البرتغاليون في الاتصالات على طول الساحل، لدرجة منحهم حق الاستيطان في ماكاو، وهي بلدة صغيرة في الصين قامت بدور حيوي في علاقات الصين مع أوروبا.
وتطرق أيضا إلى الدور الذي لعبه المبشرون اليسوعيون في نشر الديانة المسيحية في بلدة ماكاو واندماجهم في الطبقات العليا في المجتمع الصيني واستثمارهم في التعليم والتعلم، حيث تعلموا في ماكاو اللغة الصينية وطقوس وعادات الصينيين، مشيرا في هذا السياق إلى تأسيس كلية سانت بول بماكاو، التي تعد اول مؤسسة أكاديمية تم تأسيسها على الطراز الأوروبي في شرق آسيا بموافقة الكنيسة الكاثوليكية بهدف تكوين المبشرين.
من جانبها، قالت أستاذة الأدب الفرنسي وتاريخ الترجمة بجامعة نانجينغ، الأستاذة قاو فانغ، في مداخلة تليت بالنيابة عنها، أن الترجمة لعبت منذ أكثر من قرن، خلال مسار التحديث في الصين، دورا لا محيد عنه وحاسما في كل نقطة تحول تاريخية في البلاد، موضحة أن الترجمة تتيح نقل المعرفة والأفكار وتجديد النظام اللغوي والأدبي، وتحقيق إصلاحات اجتماعية كبرى، وتعزيز البحث العلمي وتعميق التبادلات الثقافية مع البلدان الأخرى.
وأكدت المتحدثة أن الترجمة ليست مجرد تقليد، واتباع نموذج الحداثة الغربية بالكامل، بل هي عمل فكري يمكن من إقامة الصلة بين التقليد والحداثة وتشكيل الهوية الثقافية للبلد، موردة أن “التساؤل حول وظيفة الترجمة ودورها يتيح لنا أن نفهم بشكل أفضل الخصائص المحددة لعملية التحديث في الصين وأن نعيد التفكير في الحداثة التعددية”.
أما الأستاذ الجامعي ورئيس المجلس الدستوري سابقا، محمد أشركي، فقد تناول بدوره عبر رحلة افتراضية ثانية لابن بطوطة إلى الصين الشعبية، طبيعة وخصوصيات نظام الحكم أو باللغة الحديثة النظام الدستوري لهذا البلد، مشيرا إلى التطورات الدستورية التي شهدتها الصين باعتبارها بلدا اشتراكيا موحدا متعدد القوميات وغير فدرالي، وذلك منذ إقرار أول دستور لها سنة 1954 ومرورا بدستوري 1975 و1978.
وتوقف الأستاذ أشركي عند الدستور الراهن الصادر سنة 1982 والتعديلات التي أدخلت عليه، مبرزا الملامح المميزة لهذا الدستور ومرجعيته الفكرية والخلفية السياسية التي أملت وحددت نوعية التغيرات التي تضمنها بالقياس مع الدستورين السابقين، لا سيما الانتقال من مبدأ “ديكتاتورية البروليتاريا” إلى مبدأ “الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية”، ومن اقتصاد مخطط إلى اقتصاد مختلط، بما رافق ذلك من سياسة التحديث والانفتاح الاقتصادي والسياسي التي أطلقت بعد وفاة ماوتسي تونغ.
وفي مداخلة حول “قضية الإصلاحات في الصين والمغرب خلال القرن التاسع عشر”، اعتبر السيد محمد كنبيب، الأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ارتباط الشعوب بخصوصيات تاريخها وحضارتها لا يقصي وجود أوجه للتشابه بين ماضي الدول، أيا كان موقعها الجغرافي، مسجلا تطور الصين والمغرب في القرن التاسع عشر ومطلع القرن الـ20، خاصة الفترة ما بين 1830 و1912، حيث واجه البلدان تحديات كبرى، في سياق عام اتسم بالتوسع الاستعماري للقوى الصناعية.
ورصد، في هذا الشأن، التناقضات التي عاش في ظلها البلدان بفعل الضغوط الأجنبية ومحاولات الإصلاح التي كان على البلدين بذلها من أجل الحفاظ على استقلالهما، مسجلا أن المغرب والصين عانيا، من تبعات المعاهدات المجحفة التي رامت النيل من سيادتهما ووحدتهما الترابية.
وتسعى أكاديمية المملكة المغربية في دورتها السادسة والأربعين حول موضوع “آسيا أفقا للتفكير”، لدراسة ومعالجة التجارب الحداثية والتنموية في ثلاث دول هي الصين والهند واليابان.
وستعرف الدورات الثلاث التي تستعرض تجارب الصين (9 و10 دجنبر)، والهند (11 و12 دجنبر) واليابان (16 و17 دجنبر)، مشاركة خبراء متخصصين وأساتذة جامعيين ومنظرين استراتيجيين ومسؤولين في مؤسسات مهتمة بالحداثة الأسيوية من المناطق الأسيوية والأوربية والعربية والافريقية.
وستعالج المداخلات قضايا وإشكالات تهم على الخصوص التجارب الحداثية وتحدياتها في هذه الدول، وتحولاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وانخراط هذه الدول في منظومة القيم الكونية ومنها العولمة، وكذا جسور التعاون بين هذه الدول والمغرب وإفريقيا.
p.p1 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 12.0px ‘Geeza Pro’}
span.s1 {font: 12.0px ‘Helvetica Neue’}
المصدر: الدار ـ و م ع