الرأي

المرأة التي تخاف سراق الزيت..

سميرة مغداد

قالوا من زمان أن المرأة تخاف الفأر وترتمي في أحضان الذئب.. تذكرت هذه المقولة حينما قامت الدنيا ولم تقعد بسبب نصيحة سريعة قدمتها بحماس إحدى “الكوتْشات” المشهورات للمرأة ، ودعتها، عبر فيديو، أن لا تبادر أبدا وتقتل سراق الزيت أمام أنظار زوجها وأن تترك له دائما شرف المبادرة حتى لو كنت قادرة أن تقاتلي أسدا ضاريا..
وتضيف المرأة “الكوتْش” في نصيحتها “الذهبية للمرأة “تظاهري أنك لا تستطيعين شيئا في وجود زوجك”.
أعتقد أن الكوتش لم تقصد الانتقاص من قوة المرأة بل دعتها إلى ذاك التحايل اليومي للتعايش مع زوج تربى ونشأ على أنه الأقوى دائما، وهي أمور وتفاصيل تدخل في فن إدارة الحياة الزوجية والابتعاد عن المنغصات.
المرأة هي الأقوى، ولكن من يظهر القوة باستمرار ويبادر يصبح مقاتلا وتصبح المرأة رجلا في السياق المجتمعي. هذه هي الفكرة الرئيسية التي قدمتها صاحبة النصيحة.
إلى حين قريب، سوقت لنا السينما نماذج المرأة الجميلة المدللة بصوت دافئ، نساء تربين في ذاكرتنا وعششن فيها وأشعرننا بأن الدنيا “بامبي”. ذاك النموذج لم يعد بيننا وحلت محله صور امرأة مبادرة صريحة لها مواقف وطروحات، وهي بطلة ومصارعة ومناضلة وما سوى ذلك.
لكن صورة الزوجة لازالت خاصة، فهي المطالبة بالعطاء والتفهم ومضغ الحصى لتسْلم العائلة. ولعل الزوج المبتدئ لازالت انتظاراته من الزوجة تقليدية، ولازال يؤسس لشخصيته ويحاول أن يكون هو من يحمي الملة والدين.
ربما بعض التصرفات في اليومي قد تسبب نفورا في أي علاقة، وليس في الزواج فحسب، خاصة في مرحلة التقرب إلى الآخر. الصديق اللبق، مثلا، الذي يسأل عنك باستمرار ويستعمل عبارات ودودة معك يكون أقر ب إليك من صديق جاف، الذي رغم صدقه، لا يتقن التعبير عن مشاعره.
المسألة في النهاية هي فن التعامل والتواصل الذي قد تؤثثه البسمة الصفراء أحيانا، وأيضا الكذبة البيضاء وتدبير التعبير عن الرأي وقول الحقيقة في وقتها.
ليست كل النساء لهن القدرة على صياغة مثلى للحياة اليومية. نعرف أزواجا “متناكْرين” طول الوقت غاضبين منفعلين لكنهما لم يفترقا أبدا. لعل الحق في حياة مليئة بالجودة أصبح هدفا يسعى إليه الجميع. والمرأة هي التي تدير دفة الحياة الأسرية وهي الربان في غالب الأحيان، وإليها توكل المهام الصعبة في إنجاح حياة الأسرة..
المرأة تتحمل، أحيانا، أكثر من طاقتها، وهي مجبولة على العطاء والتدبير الجيد، لذلك نوجه لها أولا أصبع الاتهام ونحملها المسؤولية في أشياء كثيرة، لكن ثمة جيل آخر يترعرع بيننا له صوت آخر ورؤية مختلفة، ويريد فعلا أن نغير خطابنا المزمن عن النساء ونوجه اللوم والمسؤولية للجميع، فالحياة الأسرية شغل الجميع.. الزوج والزوجة والمجتمع برمته، وعلينا أن نحقق مساواة ودمقرطة داخل الأسر لتقبل لزرع ثقافة تقبل اختلاف الآخر وهضم عيوبه.
ربما، “الكوتش” ناهد التي نتحدث عنها، تحمست زيادة عن اللزوم وأرادت أن تعطي وصفة سريعة وقديمة للمرأة لتمارس مكرها التاريخي، ولكن الأمزجة تغيرت يا ناهد، وليست كل مرة نعرف كيف تؤكل الكتف ومن أين بالضبط. هنا تصبح العلاقة مبنية على التحايل، وإن كنت أومن، شخصيا، أن بعض المكر وبعض التحايل مطلوب لكي نقفز على بعض الخلافات والاختلافات بين الزوجين، أو أي علاقة فيها حرص على المحبة والاستمرار.
ليس عيبا أن نضحك بلون أصفر أحيانا، أو نكظم غيظا أو فعلا أو حتى كلمة، لكي تسلم علاقاتنا مع أحبائنا. إن حسن التصرف من أجل الحفاظ على علاقة حب كيفما كانت أمر مطلوب ومحبب، والشاطر هو من يبقي الود رغم كل الرجات والهزات.
أنا شخصيا لن أقتل سراق الزيت في حضرة الزوج، سأستعمل مكنسة وأدفعه بوداعة إلى المهملات، ولن أرفع صوتي لأتحدى رجلا أو امرأة لم تنصفني.. سأفتح باب القلب وأطردهما باحترام.. فالمرأة هي الأسلوب.
لا أريد زوجا يكذب علي بكلام معسول ويخون مشاعري، أريد زوجا يغضب ويحب وينفعل ويصمت ويختلف معي، لكن يتقبل عيبي ومزاجي ومعاركي مع الحياة ويراني بقلبه أولا. سأترك له مهام قتل سراق الزيت والفأر وكل الحشرات والزواحف..المهم أن يقاتل الحياة برمتها من أجل سعادتي وسعادة عائلتنا.
دامت السعادة كل عام لكل الأسر التي تحيا الحلو والمر بلا شكوى ولا أنين.. سنتكم حلوة بإذن الله بعيدا عن كل سراق الزيت وأشياء أخرى.

سميرة مغداد
• مديرة مجلة “سيدتي” بالمغرب

زر الذهاب إلى الأعلى