.. قي مقهى بويا صالح ..كان رحم درب السطان ..كجبل يتنفس ..و كانت المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي تتسرب لمناحي أخر ..لكل شقوق الأرض ..و بقليل من الحفر و كثير من الحب أنبتت سنبلة / شجرة خضراء سماها المناضلون الرجاء ..من المحجوب بن الصديق و المعطي بوعبيد إلى قاطرة عملاقة كانت قادرة أن تجر كل جبال العالم ..و عندما فرض المستعمر جبروته و كان لابد أن يرأس فرنسي أية جمعية مغربية يعترف بها الأخطبوط المستعمر ..وجد رجال درب السلطان مترجما و كاتب عقود جزائري الأصل يحمل الجنسية الفرنسية بقانون الغزو إسمه حجي بن عبادجي يوجد مكتبه في الدرب ..
ولادة خضراء من رحم نقابي يؤتثه قانون المحامين ..فقد كان بن الصديق رئيسا لهيئة المحامين العرب و تولى المعطي بوعبيد في زمن ما رئاسة الحكومة ..و جاء بعدهما رؤساء كانوا من محامين و رؤساء أحزاب كاللأستاذين عبد الواحد معاش و عبد اللطيف السملالي ..و بعدهما الأستاذ فردوس ..و عندما تدغدغ التاريخ ..ستجد أنك أصبحت خارج الحدود ..و على الجانب الآخر من كل الخرائط ستتفاجأ أن الرجاء تحولت إلى بلورة متوهجة هي موطن كل تضاريس الأرض ..هي الشعب ..يتشرب الاعصار و يعشق المتعة .
في البداية تهافت المدربون للاشراف عليها قبل التحاق الأب جيكو و لكن جماهيرها كانوا مقتنعين حتى النخاع أن الرجاء بمواهبها الديناصورية لا تحتاج لمدرب ..فقط قائد لصناعة العيد ..و الرجاء مجموعة كتائب وعبر التاريخ لم تخذل أحدا ..منذ التحاقها بأندية النخبة لم تفارقها حتى الآن ..أحرزت ألقاب الدوري المغربي 11 مرة و كأس العرش 8 مرات ودوري أبطال إفريقيا 3 مرات و كأس الكنفدرالية الافريقية مرة واحدة و كأس الاتحاد الافريقي مرة والسوبر الافريقي مرتين و دوري أبطال العرب مرة و كأس الأفروأسيوية للأندية مرة وكأس شمال افريقيا للأندية البطلة مرة ..
فجوة اللاحدود انفتحت للرجاء في 2000 ..كانت حاضرة في أول كأس للعالم للأندية بالبرازيل ..و عندما واجهت فريق القرن الأوروبي العملاق ريال مدريد إعتقد الذين لا يؤمنون بموهبة و تحدي الفرد المغربي أنه يوم الابتلاع ..و أن الريال سينتشي بالبايلا الاسبانية أمام عصافير الأطلس ..فجأة نبت للعصفور مخالب و أجنحة و تحول إلى نسر مفترس ..و …دوخت الرجاء المدريليون و ..تصور ..سجلت هدفين ..ورقصت بهزة الكتف وبكل إبهار الفلكلور المغربي ..و كانت النتيجة أن احتفل جمهور مدريد في المطار و هو يستقبل الملك الأبيض بالبيض الفاسد و الطماطم المتعفنة ..
في مراكش عام 2013 كانت الرجاء قد حيرت كل عيون الدنيا و احتلت وصيف بطل العالم أمام الغول الأوروبي الألماني بايرن ميونيخ ..كأول فريق عربي ينال هذا الاستحقاق..
الرجاء عشق مجنون ..ولد في جمع قليل على طاولة بمقهى شعبي تكاد لاتراه العين في درب السلطان يتمكن من أن يفجر كل هذه البحار و العيون و البراكين ..ان ينتزع كل هذا الوله الأسطوري ..كان الأستاذ الرئيس عبد الواحد معاش بالحب و ليس بالقانون يطفئ نار الزوبعات .. و حكى لي عندما كان يتمرد النجم بيتشو ..لا يطلبه ولا يناقش أية مطالب معه ..كان يلتجئ لوالدة بيتشو ..عندها ينتهي الأمر ..لابد أن ينتهي ..لقد تدخل الحب ..و عندما تحدتث مع الأستاذ السملالي عن الانتخابات في جامعة الكرة في فترة السبعينيات ..جاءت بالصدفة بائعة ورد ..قال لها سأقتني منك كل هذا الورد شريطة أن تزبري الأحمر..وأن يظل الأخضر وحده يزهو و يزين المكان ..ابتسمنا ..ترى هل كان الأمر مزاحا او إسقاطا لرومانسية أخرى ..
أعود للانتخابات الجامعية الكروية ..كان الصراع اشتد و ولج بوابة الثنائية ..بين الكولونيل المهدي بلمجدوب و كان ساعتها يرأس الجامعة و بين الرجاوي الأستاذ السملالي ..و لم يكن أحد يتصور أن تصل بوصلة الانتخابات هذا المنحى المرعب .و مر صراع مرير كالطوفان تحت الأقدام وأطلت النتيجة كالشعرة وسط العجين ..صوت واحد لصالح الكولونيل ..فقط صوت واحد ..و عندما فتح السملالي البوابة العربية كان هو اليد اليمنى و المستشار الأول للمؤسس ..رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد ..
الرجاء أنشأها وأحاطها السياسيون المحامون و القانونيون ..و لكنها كانت ..و ظلت بهوية شعبية و لقبوها ب- فريق الشعب – تسير و تحلق و تتوهج بتلك التلقائية النقية لإبن البلد..مثل غزال يسرع في غابة ملفوفة ..كثيفة الأشجار من دون أن يصطدم بغصن واحد ..يعرف طريقه ..و كلفيف من الذين يركبون قاربا تقليديا يعرفون أنهم سيصلون به كل الشواطئ من دون فوانيس و لا بوصلة و لا خارطة ماء ..و كأنهم عمال مناجم عندما تنطفئ الشمس يشعلون المصابيح من فوق رؤوسهم ..في الرجاء لا تتعب نفسك بحثا عن حكمة و إنما ستتأكد أن الأنوار لا تغيب عنها أبدا ..
المتعة ..و المتعة هي الفرجة و الفرجة هي هوية الرجاء ..و باستثناءات قليلة كان كل شياطين الرجاء متوسطي إلى قصيري القامة ..كنت مع بعض الصحفيين سابقا ..نناقش الناخب الوطني في السبعينيات ليضم العبقري عبد المجيد ظلمي ..كان بلمجدوب مفعم بالأنجلوساكسونية في الروح و المنهج ..البنية الفارعة ..القوة البدنية و الاندفاع و اللعب الطويل ..أقنعناه أن ظلمي عندما يرتقي يتجاوز طوال القامة ..
لكن لاعبي الرجاء..كانوا يستمتعون في اللعب و يدوخون الخصوم أصحاب الطول و العرض و العضلات..كان والدي وداديا..و كنت أهرب منه عندما تحل الرجاء بالرباط ..كنت أتسلق صور ملعب الفتح و أنسل بين المتفرجين ..لأشاهد عيد الكرة ..عيد الآه .. متعة القنطرة الصغيرة و التمرير القصير و لابد أن يعمل الكعب و تمر الكرة بمراوغة جسدية كالايماء ..
أتخيل لو انتقل الرجاء للعب في بركان…أتصور أن المدينة ستتغير ..كلها ستتغير ..سيأتي عشاق المتعة من كل مكان ..لذلك آلمني أن تتوقف جامعة البركاني في موضوع تأجيل مباراة الجديدة / الرجاء ..هناك القانون و هناك روح القانون ..وهناك أولويات تمثيل الوطن ..و لم تستسغ غيرتي الوطنية أن يطرح هذا الموضوع و باستغراب زملاء عرب و عدة فعاليات غير مغربية لا تعرف سببا لذلك ..
هذه البلورة السلطانية أصبحت قريبة من تتويج عربي و فرحة كبيرة نحن في حاجة ماسة إليها..بفريق يسكنه قائد ساحر ..بمحسن متولي ..و بكتيبة من المقاتلين الفنانين ..هم في حاجة معنوية لمساندتهم من أجل كتابة تاريخ أخضر جديد ..أما جامعة كرة القدم فلا يهم أن تصر على اللوائح و تخسر الحب..