الرأي

أبيض أسود يكتبه للدار محمد بنيس

الرجاء والعمق الملغوم.

.. الرجاء بحر ..تتدفق أمواجه على كل الشطآن .. وإذا كانت الصخور الخضراء دوما يغطيها الماء بنعومة .. فإن شعبية أمواجه كاسحة و شرسة أحيانا ..قد تصنع الطوفان ..
بحرالرجاء يتعرض للاستفزاز ..رجالاته يقاومون الإهانات ..جمهور الرجاء غاضب في العمق ..
انقض البعض ليغتصب المشاعر ..و ليصنف الوطنية..وليعبث بالانتماء ويبث الذعر في الهوية..
ولن نلبس ثوب حكمة مجانية..و لا غباء غزال يسرع في غابة من دون أسد ..سنتساءل ..فقط سنتساءل ..من الذي يختبئ وراء الدسيسة ..و يفتعل اغتصاب المشاعر ..وهو الأسوأ لأنه يحرك العمق ..و حكمة عقلاء الأزمنة الأخرى تقول ..الفتنة نائمة ..لعن الله من أيقظها ..فلا نريد أن تتحرك جحافل جماهير الرجاء ..و تتحول الأمكنة تغلي كمرجل ..و..و..و..وهل تقدرعلى إيقافها جامعة الكرة ..هل يوقفها الراديو وكل الاعلام ..هل الجامعة لا تتوقع حسابات عواقب الفتن ..فمن إذن له مصلحة أو بعد آخر حريري في منطقه ..مرعب في دواخله..من يستفز الصغائر لتكبر و تتعملق وتستفحل كالوباء ..و متأكد أن الجامعة كان بإمكانها استعمال روح القانون أو سلطتها في امتصاص بعض هذه الأزمة ..فالذي يحسه الآن كل رجاوي أنه مستهدف ..أنه تعرض للاهانة و أذى المشاعر ..من الجامعة و لجانها ومن بعض الاعلام و..إحساسه بالتأكيد سيؤدي به لاعتقاد شبه جازم أنها مؤامرة تحاك بقسوة محنكة ضده ..

لا أتحيز للرجاء فهو لا يحتاج ذلك ..و لا أرش الغاز على النار ..لأن الذي افتعل هذه الأزمة التي استهدفت الجمهور هو من يحرك العمق ..وعندما تحرك عمق البحر قد تنفق بعض الأسماك الصغيرة ..ولكن لا تضمن أن تطفو بعض الدرر أو يتفجر البركان ..
القدر وحده ساق الرجاء إلى رادس التونسي بعد مرارة الوداد ..و قد احتفى الترجي بالرجال الخضر بعمق أصالة الروابط الكبيرة و المتينة بين المغرب و تونس الشقيقة ..و لنفترض أن هذا الاحتفاء جاء بدافع التعويض الأدبي لما سبق ..فالترجي فريق عريق و له شهرته القارية و العربية الواسعة كصنوه الرجاء البيضاوي..وإذا كان أحد مسؤوليه قد مارس شيئا ما في الخفاء فلا ذنب له و لجماهيره ..فالمحاسب الحقيقي هو الكنفدرالية الافريقية التي شوهت سمعة القارة السمراء أكثر مما هي عليه ..فالكأس تسلمه الفريق التونسي بأمر من المدرجات ..من الرئيس أحمد أحمد ثم تأجل اللقب و حلقت الأزمة للطاس و معها الفيفا ..فكانت ضحكة سخرية من الطاس و أن الكاف لا يفهم شيئا في القانون و تقرر إعادة الكأس / اللقب لتونس و كأنه دمية طفل يلهو ..أعطوها ..لا ..أرجعوها ..لا ..أعيدوها ..وهو أمر لم يحدث في كل تاريخ كرة القدم في العالم .. و قد اعتزمت جامعة الكرة مقاطعة مونديال السمراء بمصر ..و لكن الحكمة الرياضية و السياسية أدت لمشاركة المغرب ..و..نجد أن الكاف بكل هذا الضعف و بكل هذه الهشاشة أقام كأس أفريقيا لكرة الصالة في مدينة العيون المغربية الغالية و لم يدخل في حسبانه أي تصدع سياسي أو مصادفة إشكاليات كلنا نعرف منبعها ..مما يفسر اللا تفسير..
فإذا اتهم مسؤول في وزارة أو مؤسسة بالفساد هل يدفعنا هذا الفعل لمقاطعة تلك الوزارة برمتها أو المؤسسة أو أن ندخلها كلها قفص الاتهام ..و هو ما يتشابه حاليا مع أزمة الرجاء و راديو مارس ..فالملف أخذ وجهة أخرى ومنحى قانونيا آخر لا يجوز لنا استعمال أية إسقاطات حتى لا نتهم بالضغط و التاثير على مسار – القضية – ..
إن التعامل بدون حرص مع الحساسيات الملغومة يدفع تدلي عناقيد العنب مليئة بالأحقاد و مترسبات الكراهية والعنصرية ..ولعل جامعة الكرة تعي أن القانون في كل العالم يتجه لتبني فكر – الأقل ضررا -حتى لو كان في المحظور أحيانا ..لتفادي عواقب غير مرغوب فيها ..أما قضية الرجاء / راديو مارس فحكمة الهاكا تعرف تدبيرها ..وعدالة المحاكم ستفصل بين المخطئ و المتضرر..و بالتأكيد سيراعي الطرفان اعتذار المدير العام لراديو مارس..وأيضا اعتذار مسؤول فيها ..
في أوروبا ..قارة ما يسمي بالحريات و الحقوق ..نجد في ايطاليا لا يجرؤ الاعلام على الاقتراب من اليوفي وروما والميلانين ..و يستحيل أن يتعلق الأمر بالانتماء أو بإحدى شرائح الجماهير..و أتذكر عندما اغتربت في الخليج العربي لم يكن أحد منا يجرؤ على الاقتراب من بعض خصوصيات الأندية ..حتى القلة النادرة من الذين منحوا جوازا وجنسية لأسباب عدة لا يمكنهم الاقتراب و لو بالتلميح من هذه الخصوصيات ..فلماذا يتم غير ذلك هنا ..لذلك أؤكد رجائي بتدخل حكيم عاجل لفك هذا الافتعال المتضاخم ..فالنار أحيانا لا تعترف حتى بالماء..
ما زلت أتساءل ..هل – عملية – إضعاف الرجاء نفسيا من مصلحة بعض الأندية المنافسة ..هل من مصلحة الوداد بالذات كما يقول الغاضبون ..يستحيل ذلك ..لأن الرجاء و الوداد عينان في وجه واحد ..هما الصفحات المضيئة في تاريخ كرة القدم المغربية ماضيا ..حاليا و مستقبلا.. يمتلكان خصوصية الشعبية الكاسحة ويمتلكان التاريخ النضالي المشرف ..وتقاسمان روعة العباقرة والأساطير والمبدعين من اللاعبين والمدربين والمسيرين ..وعشق جماهيرهما لا يضاهيه هوى آخر ..هما دوما مرآة بعضهما ..كل واحد يرى صورته في الثاني ..و مهما اختلفا في النقاط و الصدارة و سلالم الترتيب ..يكون لقاؤهما أشبه بليالي ألف ليلة وليلة ..الاثارة ..الفرجة ..المتعة ..والاحتفالية ..و لعل الذين يتناسون هذه المعطيات ..ليتجاهلون أيضا روابط المودة و الاحترام و التقدير بينهما جيلا بعد جيل ..
فمن له مصلحة في بث الحقد و البغضاء و التباعد بينهما ..لعل المستفيد لا يعرف أنه لا و لن يستفيد ..و سيعرف أنها دسيسة غبية..و أنه يعدو في أدغال لا منافذ لها.

زر الذهاب إلى الأعلى