الدين والحياة

مع الدين… ولكن ضد استغلال الدين

محمد العقباني

في قراءته الفريدة والمتفردة لحادث إمليل الإرهابي، التحف حسن بناجح رداء التنويري الذي يدافع عن قيم التسامح، والديموقراطي الثواق للحرية، والتقدمي الذي يلوذ بالحداثة كمفهوم وعقيدة، حتى أنه ليخيل للمرء أننا أمام مستنير من طلائع الطليعة وسرايا اليسار في الجامعة، أيام ما كان لليسار معنى وكان للجامعة صوت مسموع في الشارع. 

فالإرهاب المتدثر برداء الدين أمر مرفوض بحسب زعم ناطق الجماعة ولسان حالها، وإدانة قتل السائحتين أمر مستهجن ويزدريه الإخوة والأخوات، والإجماع على هذا الرفض ضرورة ملحة حسب فلول الجماعة ، لكن من يحارب الاٍرهاب ويقارع مخاطره، ويوجد في خط التماس مع تهديداته المتنامية، من أمنيين وموظفي تطبيق القانون، فهم ليسوا محل ثقة ولا تصديق، ولا يسوغ مجاراتهم أو الركون إلى تقاريرهم، لأنهم حسب « منظار» حسن بناجح مجرد "قاطني أقبية الكوميساريات".
 
ولعمري، إنه النفاق المحمول إلى أبعد تجلياته، أن يطالب المرء بحصول الإجماع على رفض الاٍرهاب، لكنه يرفض في الوقت ذاته من يحاربون هذه الآفة آناء الليل وأطراف النهار. فالإرهاب يجب أن يكون مرفوضا سواء كانت ضحيته سائحتين أجنبيتين أو طلبة يساريين في الجامعة! فلماذا يستهجن حسن بنجاح إرهاب السياح الأجانب، ويطبق السمع والعين والجوارح على تعنيف الطلبة في الجامعات من قبل أتباع الجماعة وأزلامها؟

نعم…نحن مع الدين الإسلامي، ومع كافة الأديان السماوية التوحيدية، لكننا ضد من يستغل الدين لتحقيق مآرب سياسية. وكذلك نحن ضد الإرهاب.. وضد كل من يتلقف مثل هذه المناسبات الحزينة والمؤسفة ليدرج نفسه ضمن خانة المستنيرين الذين يتحدثون لغة المواطنة وخطاب التسامح، وهو في سره ونجواه يدعو للإقصاء والتفرقة والتشكيك والتجريح ومخاصمة عمل المؤسسات الرسمية.

لماذا خرج حسن بناجح متسرعا ومسارعا للدفاع عن الاعتدال في المنهج العقدي للجماعة؟ ولماذا حشر نفسه مع فسطاط الرافضين لإرهاب السياح؟ هل خاف من ردة فعل الشارع المغربي الذي يرى فيه دائما جزءا من قوى الردة إلى الخلف؟ ولماذا اختار رفض الإرهاب ورفض من يحاربونه؟ هل رغبة في تسييج المقاربة الأمنية بسياج الضمانات كما يدعي؟ أم أنها انعكاس لأسيجة الرفض لكل ما هو رسمي في عقيدة الجماعة ؟

إن الاعتدال والتسامح والحرية والديموقراطية ليست مجرد شعارات لتأثيث مقال أملته الرهبة من تداعيات الإرهاب، بل هي قيم تفرض علينا القبول بالآخر، والتسليم بالمشترك بيننا من قانون وقائمين على إنفاذه، في نطاق الشرعية والمشروعية. أما الحديث بلسان صاحب القومة، والحنين إلى مفردات سنوات السبعينيات من "أقبية" و"كوميساريات" و"روايات بوليسية"، فهي مستحثات من زمن غابر تسم صاحبها بالتخلف عن الركب، وتجعله نشاز في سياق يجمع على رفض الاٍرهاب والتنويه بمن يجتهد ويكد في مواجهته.

وفِي عبارة أخيرة: كلما تحدث حسن بناجح عن إخفاقات التعليم، عليه أن يستحضر أنه جزء من هذا الإخفاق الكبير، لأن منتسبي الجماعة في منظومة التكوين هم بالعدد الذي لا يحصى بعدد الأنامل والبنان، بل بالألاف المؤلفة قلوبهم، ومسؤوليتهم قائمة بقدر مسؤولية الوزارة التي تقبل بتمرير الخطاب السياسي في غلاف مقررات الدراسة.

وفِي الأخير… نحن حقيقة ضد الإرهاب وضد قوى الردة… ونحن مع ديننا الإسلامي الحنيف.. ومع كل أتباع الديانات السماوية…. لكننا لن نسمح بمصادرة الدين كعلامة مميزة من طرف ممتهني الإسلام السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى