التايب يكتب.. الوعي والتعبئة حتى لا ينتصر كورونا
بقلم يونس التايب
بالموازاة مع ما يرد من عدة دول في العالم من أخبار تحمل قدرا كبيرا من التعبئة المجتمعية و الإعلامية و تبين ما تتخذه السلطات الرسمية بتلك الدول من إجراءات وقائية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، لاحظنا كيف أن السلطات المختصة ببلادنا انخرطت هي أيضا في مواجهة هذه الأزمة الوبائية و انطلق التواصل العمومي بهذا الشأن. و فيما بدأت تظهر أولى حالات الإصابة بهذا المرض عندنا، يبدو أن واقعنا يحمل سلوكات متناقضة و غير مقبولة يتعين التنبيه إلى خطورتها :
– سلوك يهول فيه بعض الناس و يزايدون وينشرون أخبار زائفة عن الوباء، بشكل قد يسقط المواطنين في قلق وجداني إضافي لا فائدة فيه، و دفعهم للاستسلام لفتنة الخوف المطلق.
– و سلوك مستهتر و غير مهتم، وكأن أصحابه ليسوا على علم بالموضوع أصلا، أو لا يلقون بالا لما يستمعون إليه من نصائح وقائية مقدمة و لا يتبعونها، و ترى الناس مستمرون في التصرف بنفس التلقائية وكأن لا شيء يستدعي الحيطة والحذر واتخاذ ترتيبات صارمة.
إن الموقف السليم الذي تستوجبه الظرفية هو التزام عدم التهويل من شأن هذا الوباء، و في نفس الوقت عدم الاستهانة أو الاستهتار به، لأن الأمر فعلا خطير إذا ما غفلنا عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات حمائية و انتشر الفيروس على نطاق أوسع، خصوصا أنه لحد الساعة لا يتوفر أي دواء متوافق بشأنه.
وبحسب المعلومات المتوفرة يتبين أن السلطات العمومية المختصة قد رفعت تدريجيا، خلال الأيام القليلة الماضية، من درجة تعبئة مختلف مصالحها، وتشتغل أطقمها بما تستطيعه وفق الإمكانات الضرورية المتاحة، و تم اعتماد تواصل جيد وصادق حتى اللحظة من لدن المصالح المركزية لوزارة الصحة، خاصة مديرية الأوبئة. وبالتالي، يحق للمواطنين الاطمئنان، مع إبقاء اليقظة للتعاطي بهدوء و وعي و انخراط إيجابي و بروح المواطنة مع المستجدات التي قد تحملها الأيام القليلة المقبلة.
وهنا لا بد أن نقول بإلحاح أن الوقت قد حان لتتوفر بلادنا على منظومة للصحة العمومية تجتمع فيها شروط العصرنة وشمولية الخدمات و الفعالية و النجاعة. ذلك أمر لا يمكن أن يناقش فيه أو يجادله عاقل. و لعل ما نحن فيه حاليا من استنفار للوعي الصحي و من تعبئة للموارد المادية والبشرية في قطاع الصحة العمومية، و في قطاعات أخرى مرتبطة بتدبير الأزمة، يشكل فرصة لنتفق على العودة، في وقت لاحق، إلى نقاش عمومي رئيسي يرتبط بضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات مؤسساتية لترقية قطاع الصحة العمومية إلى مستوى يكرسه كمجال استراتيجي ممنوع تركه رهينة التدبير السياسوي كما كان في السابق، و ممنوع تركه يستكين إلى رداءة في حكامة الموارد البشرية والمادية. بذلك سننتقل إلى وعي عام بضرورة منح القطاع الصحي إمكانيات أكبر، وضبط تدبيره بشكل صارم واحترافي و مهني، لأننا كما نحتاجه في الأيام العادية لتوفير الحق الإنساني والدستوري في الخدمات الطبية للمواطنين، نحتاجه أيضا في أوقات الأزمات والكوارث لمواجهتها و دعم تدبيرها و معالجة آثارها، بما له من وسائل العمل و من مرافق تمكنه من أن يكون في مستوى مواجهة التحديات يتمكن و كفاءة. وهذا نقاش لا بد أن نعود إليه بالهدوء الضروري و بروح وطنية صادقة، في أجواء السكينة والمسؤولية اللازمة لنقاش هادف.
أما الآن فالمطلوب منا هو التجند لتعزيز التواصل العمومي ومجهود التوعية، و دعوة المواطنين إلى اتباع تعليمات السلامة واعتماد إجراءات الوقاية بكل جدية، لأن من الواجب علينا الدفاع عن أنفسنا و عن مختلف فئات مجتمعنا ضد خطر وبائي شرس. صحيح أن الفيروس لا ينهي بالضرورة حياة كل المصابين به، حيث لم يتوفى لحدود الساعة، في كل دول العالم، سوى ما بين 3 إلى 5 % من المصابين، بشرط أن تكون المواكبة الطبية للمصابين قد انطلقت في الوقت المناسب، خصوصا في الحالات الحرجة التي تهم الأشخاص الذين يكون وضعهم الصحي هشا جدا (كبار السن / أصحاب مرض مزمن يؤثر على المناعة …).
لذلك نحن مدعوون في بلادنا إلى تبني أعلى درجات الانتباه و رفع مستويات اليقظة، و تنبيه الناس إلى المسارعة إلى استشارة الطبيب في حالة الإحساس بتعب شديد و حمى مفاجئة، أو ظهور أعراض الزكام العادي التي ربما قد تخفي المرض الذي يمكن أن يظهر بقوة بعد أيام. كما يجب عدم خرق تعليمات الوقاية والتي منها محاولة الإبقاء على ما يسمى “المسافة الاجتماعية” عند اللقاء بين الأفراد كما أقرتها منظمة الصحة العالمية في 1,8 متر، و عدم السلام باليدين، وتغطية الوجه بمنديل عندما نريد أن نعطس، و الإكثار من غسل اليدين بالصابون عدة مرات في اليوم، وتفادي لمس أي أثاث أو تجهيزات (في المقاهي والمطاعم وفي وسائل النقل) دون داعي تجنبا لخطر نقل العدوى إذا كان قد نزل بها بعض الرذاذ (البزاق) لشخص مصاب مر من هنالك.
ولا شك أن على مواطنينا تقوية ذواتهم عبر استحضار أهمية اتباع حمية غذائية طبيعية صحية في هذه المرحلة. وفي مطبخنا المغربي الأصيل الكثير من الوصفات المختلطة ببعض الأعشاب الطبية و الخاصة بالبرد وبرفع المناعة، و هي غير مكلفة ومكوناتها رخيصة في الأسواق. وللأسف أن الناس قد ابتعدوا عنها بفعل تطور أسلوب الحياة وتغير العادات الغذائية.
في زمن الأزمات الاستثنائية نحتاج إلى التزام الثقة بالذات والثقة بمؤسسات وطننا و بمسؤولينا، و التتبع الواعي لما يتم من تدابير للإطمئنان بأن إجراءات جادة تتخذ بكل مسؤولية، وأنه لا شك أن كل من سيستهتر أو يتهاون في ظرفية حساسة كهاته، سيعرض نفسه للمسائلة الصارمة. لذلك، علينا بعد أن نتخذ الإجراءات الاحترازية الضرورية، التحلي بالأمل و التفاؤل، و نبقي على يقيننا بأن رحمة الله ولطفه بعباده غالب.
يقيني أن في هذا الوطن خير كبير، و له رجالاته المخلصون الوطنيون الساهرون على المصالح العليا الاستراتيجية الكبرى، وأن علينا فقط عصرنة أساليب العمل وآليات التدخل العمومي، و تعزيز الوعي لدى مواطنينا حتى يتفاعلوا إيجابيا مع واقع وطنهم الذي يستحق منهم أعلى درجات المساهمة في صناعة مستقبل مشرق له كما يستحقون هم أن يعيشوا في رحابه في إطار تدبير جيد للشأن العام و للموارد، مع سياسات عمومية ترقى إلى استيعاب تحديات عالم متقلب ومعقد تتسارع فيه المخاطر والمعيقات والإكراهات، وعلينا مواجهتها عبر تقوية المناعة المجتمعية واللحمة الوطنية.