الدين والحياة

النبي والنساء.. الحاجة إلى قراءة متجددة

دة. أسماء المرابط/ ترجمة: بشرى لغزالي

لا شك أن النبي محمد (ص) كان أحد أكبر المدافعين عن النساء، إذ تُبين سيرته الطاهرة والأحاديث النبوية الشريفة مدى الاحترام والتقدير اللذين يكنهما لجميع النساء. فقد كان النبي (ص) دائما مستعدا لمؤازرة النساء وتشجيعهن وتحريرهن والتعبير عنمحبته لهن، سواء تعلق الأمر بزوجاته أو بناته أو عامة النساء. وفي هذا السياق، ورد في حديث أنالله تعالى حبب إلى النبي (ص) في هذه الدنيا النساء والطيب والصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"[1]، لكن هذا الحديث فُسر في مواضع كثيرة تفسيرا خاطئا.

فسرعدد من العلماء المسلمين هذا الحديث باعتباره حقا أُعطي للرجال من أجل تذوق ملذات الحياة عبر تعدد الزوجات، ومن ثم اعتُبر حجة لتشجيع الرجال على التعدد. وهو ما دعم الرؤية الاستشراقية التي رأت في هذا الحديث دليلا آخر على شهوانية ترتبط بـ"الشرق". لكن يُلاحظ في هذا الحديث أن النبي (ص) ذكر النساء بمحاذاة الطيب والصلاة رغم أن الصلاة عماد الدين وممارسة روحية جوهرية في الإسلام. أحب النبي (ص) النساء في الحياة الدنيا-وأيضا الطيب باعتباره رمزا للسعادة الدنيوية-مثلما أحب الصلاة على المستوى الروحي. ويعكس هذا الرابط بين المحبة والسعادة والحياة الروحية الطريقة الخاصة التي أحب بها النبي (ص) النساء. فهي رؤية متجددة تماما أو بالأحرى ثورية تجاه النساء جاء بها النبي (ص) في مجتمع قبلي وبدوي يحتقر النساء.

اعتُبرت النساء غنيمة مُشتهاة وتعرضن للتبخيس والتهميش في مجتمع ذكوري قبلي، إلا أن هذا الواقع لم يمنع النبي (ص) من الإفصاح عن حبه للنساء مثلما أحب الصلاة وأنهن مصدر الحياة والسعادة فوق الأرض بالنسبة له.لم يحب النبي (ص) النساء حبا مجردا مثاليا في معناه، وإنما جسد تلك المحبة العميقة عبر زعزعة أسس مجتمع كان يحتقرالنساء في ذلك الوقت. فقدبذل كل ما في وسعه ليعطيهن وضعا قانونيا يسمح لهن بالاستقلاليةداخل مجتمع إسلامي ناشئ، رغم تحفظ ومقاومة صحابته أنفسهم الذين لم يستطيعوا استيعاب تمكن النساء من حصولهن على حقوق…

سعى النبي (ص) سعيا حثيثا لتمكين النساء من اختيار زوجهن اختيارا حرا، وتجاوز خضوعهن لأزواجهن وآبائهن وإخوانهن، والقدرة على الدفاع عن أنفسهن، والتعبير عن آرائهن والإفصاح عن نقدهن… وتطول اللائحة التي تزخر بأسماء جميع النساء اللواتي استوعبن هذه الرسالة التحريرية، وعايشنها ونقلنها وكُن سباقات للانخراط إلى جانب النبي (ص) الذي تفهمهن وأحبهن، مثل خديجة (ض)، زوجته ورفيقته التي كانت أول من حماه وسانده في فجر الإسلام، وأقنعه بصحة الوحي الذي تلقاه؛وأم سلمة (ض) التي كانت مستشارته السياسية خلال أحلك اللحظات التي وجد فيها نفسه وحيدا لا يفهمه من حوله؛وعائشة (ض)التي قال في حبها النبي (ص): " الحمد لله الذي رزقني حبَّ عائشة"، وهي التي تعلمت من مدرسة النبوة ما لم يستوعبه عدد من الصحابة، وصانت تعاليمه، ولم تتردد في الدفاع عن رأيها إلى أن وصل بها الأمر وسط معركة في الصحراء أمام الخليفة علي (ض).

لقد أحب النبي (ص) هذا النموذج من النساء وشجعه، لأنه أراد المسلمات قويات ومفعمات بالقيم الروحانية والحماسة في الحياة. بالإضافة إلى ذلك،كان يُقَبل بناته في وقت كان يُنظر إلى هذا الفعل في الثقافة البدوية باعتباره دليلا على الضعف. وكان يساعد زوجاته في البيت في حين أن الرجل العربي يرى في ذلك إهانة لرجولته… وكان يزور صديقات زوجته خديجة (ض) ويزور النساء العليلات ويرسل الهدايا ويقدم المساعدة للأرامل… إنها الطريقة التي كانيعبر بها النبي (ص) عن حبه للنساء.

بذل النبي (ص) جهودا كبيرةلتبليغ رسالة الإسلام في تحرير النساء ومساعدتهن على الخروج منوضعهن الصعب وعزلتهن. ويشهد التاريخ على ذلك وكذا الأحاديث التي تدل على تحرير النساء وتكريمهن والمنقولة في عدد مهم من المؤلفات التراثية. ويستحيل في هذا المقال تقديم جميع الأحاديث النبوية التي تدعم النساء، لكنني أظن أن الحديث الذي يلخص جوهر منهج النبي (ص) وآماله في مجتمع متساو يتمثل في قوله (ص): "النساء شقائق الرجال". ويعني مصطلح "شقائق" النظير والمثيل والشبيه. ومن المؤسف أن هذا المبدأ الذي يؤكد تأكيدا حاسما على المساواة بين الرجال والنساء لم يحظى بالمكانة المحورية التي وجب إعطاؤه له.

ويكفي هذا الحديث النبوي للتأكيد على جوهر المساواة التي كان النبي (ص) يسعى إلى تحقيقها، إلا أن هذا الحديث الواضح والصريح فُسر تفسيرا حرفيا وضيقا نظرالأن غالبية العلماء اعتبروه مساواة لكنها مشروطة ومحكومة بظروف وأوضاع يكون فيها الرجال "بشكل طبيعي" أعلى مرتبة من النساء في كافة المجالات تقريبا. وتورد تفاسير عديدة جميع أنواع الشروط التي تمنح الرجال الأفضلية مثل مناصب السلطة السياسية أو القضائية والإرث والشهادة والإمامة والقوامة العامة والخاصة. فحسب هذه المقاربة، تنحصر المساواة في ممارسة الشعائر الدينية والجزاء الأخروي في حين ترجع الأفضلية في ما تبقى للرجال.

أُفرغ هذا الحديث تماما من معناه المساواتي وقُيد بشروط تروم عدم ترك مجال للمساواة بين الرجال والنساء. ولا يتوقف العلماء عن الاستدلال بهذا الحديث كلما تم الحديث عن حقوق النساء في الإسلام لكنهم يُلحقونه بتذكير بتلك الشروط "الدينية" من أجل إرجاع هذه "المساواة" المشروطة إلى واقع المجتمعات المسلمة.

وفي ظل هذا النوع من التفاسير، تظهر أهمية إعادة قراءة النص القرآني لمراجعة مجموعة من المفاهيم المحورية، واسترجاع معانيها الأولى التي نزل بها الوحي وتجاوزتهاكتب فقهية ذكورية.

المصدر: الرابطة المحمدية للعلماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى