خصوصيات تميز العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل تفند اتهامات “التطبيع” و”الخيانة”
الدار / خاص
عكس ما تروج له بعض الجهات، ووسائل الإعلام من مصطلحات دخيلة على المغاربة من قبيل “التطبيع” للتعليق على الخطوة المغربية الجريئة والتاريخية بإعادة استئناف العلاقات و الاتصالات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، يؤكد المغرب على أن ” النهج الذي اختاره بهذا الخصوص، مختلف بشكل جذري عن ذلك الذي اتخذته بلدان عربية أخرى، وهو ما أكده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في حوار إذاعي أول أمس الاثنين، حين تحدث عن أن التحضير لهذه الخطوة ليس جديدا، ولم يكون سهلا، بل بدأ منذ ماي 2018 عندما استقبل الملك محمد السادس جاريد كوشنير كبير مستشاري الرئيس الأمريكي.
لا مزايدة على المغرب في دعم القضية الفلسطينية
وغاب عن ذهن أولئك الذين يتهمون اليوم المملكة المغربية بـ”التطبيع” لأهداف مبيتة لم تعد تنطلي على أحد، أن المغرب لن يسمح لأحد أن يزايد عليه في دعم القضية الفلسطينية، اذ كان السباق عربيا الى الإعلان عن دعمه اللامشروط للفلسطينيين في مختلف المحطات التي عرفها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أن المملكة المغربية ملكا وشعبا كانت تشدد على أن إيجاد الحل الجذري للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، يجب أن يتم وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”.
هذا الدعم اللامشروط من طرف المغرب، تجسد بشكل جلي في حرص الملك محمد السادس خلال اتصاله بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب على التذكير بالمواقف الثابتة والمتوازنة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع.
كما يتجسد هذا الدعم، الذي يمليه واجب الأخوة العربية والإسلامية، من خلال تأكيد جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، خلال ذات الاتصال الهاتفي، على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019.
لا وجود لسفارة بل لمكتب اتصال
من جهة أخرى، تتجسد خصوصية النهج الذي اختارته المملكة في إعادة استئناف علاقاته الدبلوماسية مع تل أبيب في طبيعة التمثيل الدبلوماسي المتبادل بين الرباط وتل أبيب، اذ تحدث بلاغ الديوان الملكي عن أن الأمر يتعلق بإعادة افتتاح مكتب الاتصال الذي أغلق قبل عقدين من الزمن، وهو الأمر الذي أكده أيضا بوريطة، متحدثا أمس عن أن البناية التي كان بها مقر المكتب بشارع المهدي بن بركة في الرباط لا زالت موجودة ولم تشغلها أي مؤسسة أخرى.
قبول السلطة الفلسطينية
الخصوصية المغربية في إعادة استئناف علاقة المملكة الدبلوماسية مع إسرائيل، تتمثل أيضا في حرص الملك محمد السادس على اطلاع الرئيس الفلسطيني على مضمون الاتصال الهاتفي، الذي جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتبارا للتقدير الذي يخص به الملك الرئيس الفلسطيني.
وأكد الملك محمد السادس، وفقا لما ورد في بلاغ الديوان الملكي، للرئيس بأن موقف الملك الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير. وقد ورثه عن والده المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه”، كما أبرز الملك محمد السادس أن المغرب مع حل الدولتين، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع.
ومن منطلق كونه رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، شدد الملك محمد السادس خلال هذا الاتصال الهاتفي مع عباس أبو مازن على أن المغرب ما فتئ يؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة وحرمة المسجد الأقصى.
كما شدد الملك على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.
وما يفند الادعاءات المغرضة للذين يتهمون المغرب بـ”مقايضة” قضية الصحراء المغربية بالقضية الفلسطينية، و ” التطبيع”، هو ترحيب السلطة الفلسطينية، من خلال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن بالخطوة المغربية، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء الفلسطينية، ناقلة عنه قوله “السلام من حق الجميع ومن حق إسرائيل العيش في سلام مع كل دول العالم”، موردا “لقد نقلت هذه الرسالة إلى الملك محمد السادس خلال اتصالنا الهاتفي”.
علاقات روحية ممتدة في التاريخ
وعكس الذين يرفعون اليوم لواء “التطبيع” في وجه المملكة المغربية معاداة لمصالحها و قراراتها السيادية، متحدثين عن معطيات لا تمت بصلة للواقع، فالمغرب سبق إعلان استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، بتنصيص دستوري صريح يؤكد على ضرورة الحفاظ على المكون العبري باعتباره رافدا من روافد الهوية الوطنية.
بالعودة الى تصدير دستور سنة 2011، نجد أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
هذا التنصيص على تعدد روافد الهوية الوطنية للمغرب ليس وليد الدستور الحالي للمملكة، وإنما تمت ممارسته قبل الاستقلال وبعده، إذ حرصت المملكة منذ عهد الملكين الراحلين على الحفاظ على الهوية اليهودية، من منطلق أن الثقافة والهوية اليهودية تجذرت منذ القدم في الثقافة المغربية، التي تمثل مجالا للتلاقح لإغناء الثقافة المغربية، شأنها شأن الرافد الحساني أو الأندلسي، وهو الأمر الذي أضاف اليها ثراء طريفا اشتد به ساعدها وعظم به نماؤها، ايمانا من المملكة المغربية بأن حوار الثقافات وتفاعل الحضارات خير جزيل لمن يحسن الأخذ ويجيد الاقتباس”، كما جاء في احدى خطب الملك الراحل الحسن الثاني.
العلاقات ليست جديدة
هذا المعطى أكد عليه ناصر بوريطة، في مقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قائلا : “من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع؛ لأن العلاقات كانت أصلاً طبيعية. نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين، كما كانت سابقاً؛ لأن العلاقة كانت قائمة دائماً، ولم تتوقف أبداً”.
وباستلهام بعض الشيء من التاريخ، سوف نجد أن المغرب قد لعب دور الوساطة في “مفاوضات السلام” بين المصريين والفلسطينيين من جهة وبين الإسرائيليين من جهة أخرى، وأضحت العلاقات المغربية الإسرائيلية علنية منذ زيارة رئيس الوزراء العبري الأسبق شمعون بيريز إلى إفران للقاء العاهل الراحل في 1986، وفي 1994 افتتح رسميا مكتبا الاتصال في الرباط وتل أبيب، واستمرا في العمل إلى غاية سنة 2000 حين قررت المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، احتجاجا على “انتكاسة عملية السلام عقب الأعمال اللاإنسانية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية في حق أبناء الشعب الفلسطيني”.
انخراط بناء في إحلال السلام في الشرق الأوسط
وتجاهل خصوم الوطن، الذين غاضهم الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، أن المغرب لن “يقايض” أبدا قضية الصحراء المغربية بالقضية الفلسطينية لأن ذلك ليس من شيم المملكة ملكا وشعبا، وأن إعادة استئناف العلاقات والاتصالات الدبلوماسية مع إسرائيل نابع، كما يؤكد ذلك بلاغ الديوان الملكي، من الدور التاريخي الذي ما فتئ يقوم به المغرب في التقريب بين شعوب المنطقة، ودعم الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، ونظرا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودين في إسرائيل.
وعكس بعض البلدان التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الخفاء، ويتشدق مسؤولها في وسائل الاعلام بمعاداة “التطبيع”، التزم المغرب بالوضوح التام وهو يقرر استئناف علاقاته مع إسرائيل، اذ شدد بلاغ الديوان الملكي أن المغرب يعتزم تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب؛ و استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية في أقرب الآجال؛ علاوة على تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي.
بل أكد جلالة الملك بأن هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.