الرأي

لسان راشد الغنوشي السليط

نورالدين زاوش *

لم يفسد الأوطان شيء مثلما أفسده الإسلام السياسي الذي يؤمن بمفهوم الأمة ويكفر بمفهوم الوطن، والذي عادة ما يُطَوِّع الدين حسب ما يقتضيه الموقف السياسي في الوقت الذي يعتقد فيه الناس أنه يقوم بالعكس؛ الشيء الذي يحقق له الريادة في حلبة المنافسة السياسية ليصبح الناس تحت رحمة مسؤولين يحسبونهم “أولياء الله” في البدء؛ إلا أنهم يُمْسُون في النهاية وهم يأملون في رجوع من كانوا يحسبونهم أمدا طويلا “أولياء الشيطان”.

إن الإسلام السياسي يقوم على دغدغة مشاعر الجماهير باحتكار تاريخ الإسلامي المشرق والاستلاء على الخطاب الديني الطاهر وكأنه تراث لأحزابه “العتيدة” أو حركاته الدعوية وليس تاريخا مشتركا يسع الجميع؛ فسرى سم هذه النسخة المشوهة للإسلام في شرايين المجتمعات الإسلامية حتى خربتها، وانطلت حيلة أصحابها الماكرين على الناس فأرجعوهم قرونا إلى الخلف.

هذا ما يظهر جليا عند كل منعطف حاسم تمر به الدولة رعاية لمصالحها العليا ومصالح مواطنيها؛ وقد ظهر ذلك بالفعل حينما قررت الدولة المغربية أن تستأنف علاقاتها مع إسرائيل؛ فتفرق “الإخوان” الذين يمسكون بزمام الحكومة شذر مذر، وأرغدوا وأزبدوا، وتناقشوا وتهارشوا، وقرروا عقد مجلس وطني استثنائي ثم تراجعوا عن تاريخه ثم ألغوه في نهاية المطاف. ومنهم من رفع عقيرته للسماء يشكو لله ما آل إليه حال أصحابه الذين طالما تغنوا بنصرة الإسلام والمسلمين، ومنهم من لم يكتف بالشكوى والنحيب وتجميد عضويته في الحزب؛ بل تخطى ذلك بأن وصف من سيصوت لصالح حزبه بفاقد الذاكرة أو بإصابته بداء الزهايمر مثلما فعل المقرئ الإدريسي أبو زيد.

حينما تُظهر للناس شكلا راقيا من الغيرة على الدين، وتُسَوِّق منطقا رائدا في رؤية الأمور ومعالجتها، وتنجح في تشكيل صورة طاهرة عنك في أذهان الناس، فإنهم، بلا شك، سيتحمسون لجعلك في القمة وسوف يستصغرون كل من لا يحسن الخطابة مثلما تحسنها وكل من لا يجيد البكاء والعويل مثلما تجيدهما، فتتربع على عرش السياسة، بلا منافس أو منازع، ردحا من الزمن؛ لكن حبل الكذب قصير، وسرعان ما يسقط عنك القناع في أول امتحان، كما سوف تتجلى صورتك المزيفة للناس بأنك مجرد فنان حذق أجاد التمثيل، وبأن الدين لديك سوى وسيلة وليس غاية؛ وسوى مطية وليس هدفا.

ما قام به راشد الغنوشي، ممثل الإسلام السياسي بتونس الشقيقة، حينما طالب بإحياء المغرب العربي بدون المغرب؛ لا يندرج إلا في خانة الخطط البلهاء لنسخة بشعة عن الإسلام وسماحته ورجاحة عقله، ولا يدخل، بطبيعة الحال، إلا في إطار المزايدات الفارغة التي تسعى لتلميع صورة تياره النتن لدى ناخبيه على حساب الوحدة الحقيقية للمغرب العربي والتي يرتضيها الله ورسوله والمؤمنون؛ فالإسلام السياسي، للأسف الشديد، لا يجد غضاضة أو حرجا في تصويب فوهة لسانه السليط على مبادئ الإسلام الكبرى إذا ما كان ذلك سيقربه إلى كرسي السلطة شبرا أو باعا أو ذراعا؛ لننتهي إلى قاعدة ذهبية، لا تقبل الجدال أو النقاش، مفادها أن الفكر والمنطق اللذين يؤمن بهما الإسلام السياسي واحد وإن اختلفت اللهجات والبيئات والأقطار؛ وصدق من قال: ليس في القنافذ أملس.

* عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة

زر الذهاب إلى الأعلى