أخبار الدارسلايدر

هل تتبنى الأحزاب السياسية إلغاء التعاقد في برامجها الانتخابية؟

الدار / افتتاحية

بعدما انضافت المطالب الحقوقية إلى المطالب الفئوية النقابية الخالصة عقب مسيرة الأساتذة المتعاقدين يوم السبت الماضي، يبدو أن هذا الملف سيمثل واحدا من أهم الملفات الانتخابية الساخنة التي ينتظر من الأحزاب السياسية أن تتخذ منها مواقف معينة، أو أن تحاول انتهازها وتوظيفها في حملاتها الانتخابية لإحراج أحزاب الأغلبية وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية. ومع تزايد احتمالات تطور الاحتجاجات التي يخوضها الأساتذة المتعاقدون في مواجهة وزارة أمزازي وإصرارها على استراتيجية خيارها، تزداد ورطة الحكومة خصوصا في سياق مدرسي متأزم بسبب تداعيات الحجر الصحي وفرض نظام التدريس بالتناوب.

وإذا كانت جل الأحزاب السياسية قد ساهمت في تمرير مرسوم التوظيف بالعقود خلال ولاية حكومة عبد الإله بنكيران، سواء بالموافقة عليه أو السكوت عنه على الأقل، فإن السياق الاحتجاجي الجديد الذي يفرضه الأساتذة المتعاقدون من خلال تنسيقيتهم الوطنية سيضع جل الأحزاب السياسية على المحك، ويسائل ضمنيا برامجها الانتخابية المرتقبة. وإذا كانت جل هذه الأحزاب تدافع في برامجها ووعودها السابقة عن الاستقرار الوظيفي للأطر التعليمية وعن توفير الشروط المادية اللازمة لأدائهم المهني، فإن الورطة الكبيرة التي مثلها هذا النوع من التوظيف في قطاع حساس كقطاع التعليم، يضع كل الهيئات السياسية والحزبية أمام مسؤولياتها من أجل النظر في إمكانات مراجعة هذا المرسوم، ولم لا المطالبة بإسقاطه من جديد.

ينطوي هذا المطلب أولا على مكاسب انتخابية مغرية لجل الأحزاب السياسية. فما تمثله كتلة الأساتذة المتعاقدين وأسرهم من خزان أصوات، بل وما يشكله كل العاملين بقطاع التعليم من خزان انتخابي، سيمثل بالنسبة لعدد من الأحزاب السياسية سواء التي تحالفت مع حزب العدالة والتنمية في الأغلبية، أو تلك التي اصطفت في المعارضة، فرصة لإغناء رصيدها من الأصوات وكسب تعاطف فئات اجتماعية واسعة، أصبحت ترى في مرسوم التوظيف بالعقود تهديدا لمستقبلها المهني والوظيفي. وقد سبق لهيئات حزبية مثل حزب الاستقلال أن انتقدت بشدة مرسوم التوظيف بالتعاقد معتبرة أنه لا يرتكز على أي أسس قانونية. لكن هذه الانتقادات ظلت تقنية، ولم ترق بعد إلى تصور برنامجي واضح يقدم بموجبه هذا الحزب وعدا انتخابيا واضحا لناخبيه.

ومن الواضح أن تردد الأحزاب السياسية في بلورة تصور معارض وصريح للتوظيف بالتعاقد، يرجع بالأساس إلى أنه يمثل نهجا للدولة يتجاوز الأحزاب السياسية، وحلفاء الأغلبية، على اعتبار أنه جزء من تصريف الالتزامات الوطنية تجاه بع المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها البنك الدولي. كما أن التفكير في إلغاء هذا المرسوم، وإنهاء التوظيف بالعقود يمكن أن يمثل إرباكا كبيرا للسياسات المالية والاقتصادية التي تأسست في السنوات الثلاث الماضية على رهان التخفيف من كتلة الأجور المركزية وإحالتها على التوظيف الجهوي بالاعتماد على موارد الأكاديميات. وإضافة إلى هذا التحدي فإن الأمر لا يخلو من اعتبارات سياسية صريحة، تمثلها مخاوف الحكومة من الرضوخ لمطالب فئة من الموظفين المتمردين، بما يمثله ذلك من سقوط لهيبتها وإرادتها في نفاذ تصوراتها وبرامجها الإصلاحية.

ولكن على الرغم من كل هذه التحديات، فإن الانتهازية الانتخابية لن تظل بعيدة عن هذا الملف. فما يمكن أن يجنيه الحزب الذي سيتصدر لمسألة مراجعة نظام التوظيف بالعقدة مكاسب تستحق المغامرة، خصوصا مع تنامي وعي كبير بالقوة الاحتجاجية التي تمثلها التنسيقيات الخاصة بالأساتذة المتعاقدين، والخارجة من تحت جناح النقابات التقليدية المعتادة على التفاوض. هذا الوعي بقرب نهاية التوظيف بالتعاقد يزيد من احتمالات تنصل الأحزاب السياسية، التي تمثل الأغلبية من مسؤولياتها في وضع هذا المرسوم والدفاع عنه، وربما التبرؤ ممن دافعوا عنه وطبقوه في حكومة سعد الدين العثماني.

زر الذهاب إلى الأعلى