الرئيسية

زمن المرنيسي وأسماء المرابط

منتصر حمادة

بعد مقاومة استمرت لعقد ونيف، اضطرت الباحثة المغربية الإصلاحية أسماء المرابط إلى الرضوخ للواقع الذي لا يرتفع، وعنوانه تقديم الاستقالة من رئاسة مركز بحثي تابع لمؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، والحديث عن مركزالدراسات والبحوث حول قضايا النساء في الإسلام.

نأتي لحالة فاطمة المرنيسي، والتي قاومت بدورها كثيراً سطوة "الهيمنة الذكورية" ـ إذا استعرنا تعبيراً شهيراً لبيير بورديو ــ داخل الفضاءات العلمية المغربية والعربية والإسلامية، لتجد نفسها مضطرة إلى البحث عن اعتراف علمي عالمي، جاء من الخارج، وبالكاد صدرت بعض الاعترافات من الداخل، عبر مقالات أو ندوات أو مبادرات أو شيء من قبيل.

لم تخرج حالة نادية ياسين، القيادية الإسلامية الحركية عن السائد أعلاه، حيث كان مصيرها "القتل الرمزي" من جماعة "العدل والإحسان" مباشرة بعد رحيل مؤسس الجماعة، عبد السلام ياسين، ولو أن مكانة المرأة في الجهاز المفاهيمي الإسلامي الحركي، أقل شأناً بشكل عام، بل إن تعامل قيادة الجماعة مع كريمة المؤسس بهذه الصيغة، يزكي قاعدة تقزيم مكانة المرأة في هذه المشاريع.

هناك عدة قواسم مشتركة في النماذج الثلاثة التي أحلنا عليها، يمكن التوقف مثلاً عند التأليف باللغة الفرنسية، أو الخروج عن الصورة النمطية للمرأة الباحثة، ولكن هذه قواسم ثانوية الأهمية مقارنة مع أهم قاسم مشترك، وعنوانه غياب ثقافة الاعتراف عند "نخبة" المنطقة اتجاه المرأة بشكل عام، فالأحرى المرأة الباحثة، لأسباب مركبة، يتداخل فيها العامل الثقافي والنفسي وحتى الديني مع النموذج الإسلامي الحركي. نقول هذا بصرف النظر عن كون الإسلاموية ظاهرة لا تمثل إلا نفسها، لأنها أقلية مجتمعية، وأفقها الإصلاحي محدود جداً، كما اتضح ذلك في عديد نماذج محلية وإقليمية.

لنتوقف عند حالة الراحلة المرنيسي، ورغم أنها محسوبة على المرجعية الإصلاحية، لنقل "الحداثية"، دونما أي قطيعة مع الهوية والأصالة (كما جسدت ذلك العديد من أعمالها)، فقد اتضح أنها تعرضت لحصار بحثي في المؤسسات الجامعية المغربية، فالأحرى العربية والإسلامية، ومن طرف نخبة بحثية محسوبة للمفارقة على المرجعية ذاتها، أي المرجعية الحداثية أو اليسارية وما إلى ذلك، بينما كان من المفترض أن تنتصر هذه المرجعيات إلى بعض مقتضيات خطابها النظري الداعي إلى إنصاف المرأة والدفاع عن حقوق الإنسان.

هذا عن فاعلة بحثية وازنة، تعرضت للحصار والتقزيم من طرف المرجعيات الحداثية رغم دفاعها عن هذه المرجعية، ولكن غلبة الثقافة الذكورية في شقها السلبي، حال دون أن تحظى بمكانة علمية أسمى من المكانة العلمية التي حظيت بها، فالأحرى أن تحظى بمكانة وازنة لدى الرأي العام، من فرط سقوط هذا الرأي ضحية الرداءة والميوعة التي تهيمن بشكل كبير على الساحة.

أما مع ندية ياسين، فالأمر متوقع، وقد أشرنا مراراً إلى أن صمت قيادات الجماعة عن التصدي لها، وسحب البساط عنها سابقاً، كان مرده حضور شخص الشيخ المؤسس، وهو أيضاً أب نادية ياسين، ولكن لم تنتظر قيادة الجماعة كثيراً مباشرة بعد رحيل عبد السلام ياسين، معلنة بشكل ميداني ملموس عن نهاية حقبة السيدة في الجماعة، إلى درجة أننا لا نجد لها أي أثر في أي مبادرة من مبادرات الجماعة، ولا حتى في المواقع الرقمية التابعة للجماعة، كما لو أنها نكِرة، مع أنها كريمة مؤسسة الجماعة.

الحصار إذاً طال باحثة محسوبة على المرجعية التقدمية أو الحداثية، وطال باحثة محسوبة على المرجعية الإسلاموية، ليبقى التساؤل عن مصير باحثة كانت تشتغل في مؤسسة دينية رسمية، لأن رئيسة مركز بحثي تابع لإحدى هذه المؤسسات.

جاء الجواب في الاستقالة سالفة الذكر، على أساس أنه لدينا في المغرب وفي المنطقة مئات أو حتى عشرات من أسماء المرابط وفاطمة المرنيسي، لولا أن الأمر خلاف ذلك، بل يُفيد أن هذا العدد المتواضع من الأسماء البحثية النسائية، يُحارب طولاً وعرضاً من شتى المرجعيات، وهذا مؤشر واحد ضمن مؤشرات الرداءة التي طالت المنطقة.

ولأن هذا العالم صغير جداً، فإن أعمال أسماء المرابط من جهة، وإصرار مؤسسة إمارة المؤمنين على إدماج المرأة في مزيد كد معرفي وإداري كما نعاين في المؤسسات الدينية، بما أفضى إلى ولادة "المرشدات الدينيات" مثلاً، يوجد في مقدمة الأسباب التي جعلت الباحثة الدنماركية الإصلاحية شيرين خانكان، تُصرح في لقاءها الشهير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (مارس 2018)، بأنها تحلم بأن تنظم مؤتمراً دولياً في بلد مسلم حول حوار أتباع الأديان الإبراهيمية، بأفق نقدي نافع، وأنه على حسب عِلمها، البلد المسلم الوحيد المؤهل لاحتضان هذا المؤتمر هو المغرب.

مؤكد أننا لا نعيش زمن فاطمة المرنيسي وأسماء المرابط، وإنما زمن الخوف من التجديد والإبداع، ولكن مؤكد أيضاً أنه لا إصلاح يُرجى من الأقلام التي تمارس التهميش والحصار، ومن شتى المرجعيات، وإن زعمت خلاف ذلك. إنها سنة الحياة.

"ولن تجد لسنة الله تبديلا". الآية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى