الرأيسلايدر

إساءة مجالس بلدية للسلطة المركزية: القنيطرة نموذجاً

منتصر حمادة

ما يجري في مدينة القنيطرة منذ سنوات مضت، ومنه ما جرى خلال الأيام الأخيرة، يمكن أن يكون ترجمة محلية لمضامين الخطاب الملكي المؤرخ في 31 يوليو 2019، بمناسبة عيد العرش، والذي أعلِن فيه رسمياً عن إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، بما أفضى لاحقاً، كما هو معلوم، إلى تعيين لجنة اشتغلت على وضع تصور لنموذج بديل، وهذا ما تحقق نظرياً على الأقل مؤخراً، مع الاستقبال الملكي لمعدي التقرير في 25 ماي 2021، حيث تمّ الكشف رسمياً عن معالم النموذج التنموي الجديد.
ما جرى في مدينة القنيطرة، ضمن ما جرى في مدن أخرى، جاء تتويجاً لتدبير مجالس بلدية لم تكن في مستوى تطلعات الساكنة، ونتوقف هنا نموذجاً عند نموذج تطبيقي، نزعم أنه يمكن تعميم ما صدر عنه، على حالات العديد من المدن الأخرى.
والحال أن الانتخابات الجماعية الأخيرة، أي انتخابات 4 سبتمبر 2015، تميزت بفوز حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الحركي بعمودية العديد من المدن الوازنة، والمتوسطة، دون الحديث عن المدن الصغرى، إلى درجة الحديث عن اكتساح إسلامي حركي للمجالس البلدية.
وكان على الرأي العام، ومنه ساكنة هذه المدن، انتظار أداء النخبة الإسلاموية حتى يأخذ فكرة عن مدى تطبيقات الشعارات الكبيرة التي روجت لها في الحملات الانتخابية، والمؤسسة بدورها على ما يُسمى “المرجعية الإسلامية”، في نسختها الإخوانية، بحكم أن الحزب المعني هنا، نواته حركة إسلامية إخوانية.
سبقت الإشارة، في حالة تفاعل ساكنة مدينة القنيطرة، مع أداء الحزب الإخواني الذي يقود المجلس البلدي، أن الأمر وصل إلى رفع شعار/ دعاء “الله يأخذ الحق”، ومع خبر سقوط فريق المدينة الأول في كرة القدم، النادي الرياضي القنيطري، إلى قسم الهواة، أصبح هذا الشعار/ الدعاء يرفعه حتى شباب المدينة المتتبع للقطاع الرياضي، الذي كان يعاني من التهميش والبطالة، ولكن تفرغه لمتابعة فريقه الكروي، الذي كان أحد أعمدة الكرة الوطنية، جعله يقلل من الآثار السلبية لأزمة التهميش والبطالة، إلى أن الأمر ازداد تعقيداً اليوم، بعد هبوط الفريق لقسم الهواة.
ولكن هناك مستجد مهم في الدلالات، يُترجم مدى التواضع التدبيري الذي صدر عن الحزب الإسلاموي سالف الذكر، ويتعلق الأمر بإعلان البعض، عن أن الأمل الوحيد في مواجهة هذه النكسة الكروية التي جرت مؤخراً، موازاة مع نكسات المدنية في قطاعات أخرى، تكمن في تدخل المؤسسة الملكية، وهذا تحول يقتضي وقفات تأمل، سواء مع رفع الشعار/ الدعاء سالف الذكر، أو مع طلب تدخل المؤسسة الملكية. [في إحدى البرامج الحوارية بإذاعة “رايو مارس” لصباح اليوم، الثلاثاء 13 يوليو، لم يتردد أحد المتدخلين من توجيه النداء إلى المؤسسة الملكية من أجل إنقاذ فريق النادي القنيطري من الأزمة التي يوجد فيها، بسبب بؤس أداء النخبة المحلية] في حالة رفع دعاء “الله يأخذ الحق”، نحن إزالة حالة يأس كلي لساكنة المدينة من التغيير، وبقي باب الرجاء في القدرة الإلهية، من أجل مواجهة هذا البؤس، ومن هنا تكرار هذا الدعاء، ونزعم أننا سمعنا هذا الدعاء مراراً هناك، ولا يمكن لهؤلاء جميعاً أن يكونوا على ضلالة وهم يجمعون على التوجيه بالدعاء إلى العلي القدير من أجل أن يأخذ حقهم ضد المسؤولين.
وفي حالة التعبير عن الأمل بأن نعاين تدخلاً ملكياً، فالأمر يُعتبر إساءة من المسؤولين إلى المؤسسة الملكية، لأنه ليست وظيفة المؤسسة الملكية، القيام بمهام منوطة أولاً وأخيراً بالمجالس البلدية، إضافة إلى أن هناك انتخابات جماعية، تفرز مجلساً يسهر على تدبير شؤون المدينة، باعتبار هذا المجلس، ضمن مسؤولين آخرين، من قبيل الوالي والعامل، وغيرهم، هم الذين يمثلون السلطة المركزية، في معرض تحقيق مطالب الساكنة، وإذا ما أصبحت الساكنة تلجأ إلى المؤسسة الملكية بشكل مباشر، وتطلب منها التدخل من أجل تسوية هذا المشكل أو غيره، فمعنى ذلك أن المجلس البلدي الذي يُفترض فيه أن يطبق التوجيهات الملكية، إضافة إلى أنه جاء نتيجة استحقاق انتخابي، لم يكن في مستوى تطلعات الساكنة، التي فقدت الأمل كلياً في ما هو منتظر من المجلس البلدي المعني، وأصبحت ترفع شعار “الله يأخذ الحق”، وتتمنى في آن، تدخلاً من المؤسسة الملكية.
هناك قلاقل أخرى مؤرقة نعاينها في المسكوت عنه من رفع هذا الدعاء، وبيان ذلك كالتالي:
سبقت الإشارة إلى أن حالة الساكنة التي ترفع هذا الدعاء تفيد أنها وصلت إلى مرتبة اليأس، مع أن اللجوء إلى الدعاء عند المسلمين، يكون في شتى الأحوال المجتمعية، فردية أو جماعية، سواء كانت في أحسن الظروف أو في أسوأها، لولا أنه في حالة السوء، يكون اللجوء بحدة ولهفة. “أمن يجيب المضطر إذا دعاه”. (سورة النمل، الآية 62).
ما يجب الانتباه إليه في النموذج الذي نتطرق إليه هنا مع حالة مدينة القنيطرة ــ والأدهى أنه يهم يهم مشروعاً حزبياً يزعم أنه جاء مدافعاً عما يُسمى “المرجعية الإسلامية”، قبل أن يتضح لاحقاً، لكن بعد خراب مالطا، أن هؤلاء، أبعد الناس عن ذلك ــ هو أن هذا المقام من اليأس، والذي يضم نفحات من الأمل أيضاً، كما يتضح من خلال اللجوء إلى الدعاء، يُعتبر محطة نفسية تؤهل صاحبها لكي يكون على مقربة من بعض المقامات المؤرقة، أحصينا منها ثلاثة مقامات على الأقل:
ــ الاقتراب من النزعة العدمية والفوضوية، بسبب ضيق الأفق، وهنا بالذات تكمن أهمية المناعة الروحية، وهي الحالة المغربية، قائمة من التراث الديني الأصيل، ومنه التراث الصوفي، ولولا هذه المناعة، لكنا نعاين مؤشرات عدمية أكبر بكثير مقارنة مع السائد.
ــ الاقتراب من العمل الصوفي، في جانبه السلبي، أي التصوف الذي يأخذ مسافة من متعة الحياة المجتمعية، ويقرر صاحبه الابتعاد عن الجميع، وربما الاعتكاف أو ممارسة الخلوة وما يُشبه الهجرة من التعامل مع الغير، وهذا وجه غير سوي قط في العمل الصوفي النافع لوطن والإنسانية، وهو الوجه الذي انتقده المفكر المصري الراحل عبد الرحمن بدوي، عندما اعتبر أنه إذا كان المقصود من التصوف هذا السلبي بالذات، فلا ضير، إن كان الأمر يتعلق بمواطن واحد ضمن مليون مواطن.
ــ الاقتراب من مقام يُصبح فيه المواطن متأثراً بخطاب ديني متشدد، ويُصبح معه صاحب قابلية لكي ينضم إلى مشروع إسلامي “جهادي”، بسبب انسداد آفاق التغيير، وهذه معضلة قائمة في العديد من التجارب، المحلية والإقليمية والدولية.
هذه إذن، بعض قلاقل تبعات التدبير السيء لمجلس بلدي يهم حالة مدينة القنيطرة، في حقبة تولي حزب إخواني مسؤولية التدبير، وهي تبعات يمكن تعميمها على أداء مجالس أخرى، اتضح أنها تغطي ممارسات غير سوية يمكن أن تصدر عن الساكنة، بسبب حالة اليأس التي وصلت إليها، واتضح أيضاً، أن هذا التدبير يُعتبر إساءة إلى المؤسسة الملكية التي تسهر على تدبير القضايا الاستراتيجية للدولة المغربية، وليس تدبير قضايا محلية خاصة بهذه المدينة أو تلك، لأن هذه مهمة مجالس بلدية، لولا أن هذه المجالس، كانت ولا زالت دون المستوى المرجو منها.
نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن تطبيق مضامين النموذج التنموي الجديد، في التعامل مع مطالب ساكنة المدن والقرى المغربية، يتطلب نخبة جديدة، لا يمكن أن تكون النخبة ذاتها التي تورطت في الأداء السلبي للنموذج التنموي السابق، ومنها النخبة الحالية في مدينة القنيطرة، ضمن حالات مدن أخرى، بما يقتضي التفكير منذ الآن، في تفعيل هذا التحدي، عبر بوابة الاستحقاق الانتخابي وهذا موضوع آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى