أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: كيف تعزز الأزمة الجزائرية رفض العسكر لمبادرة المصالحة؟

الدار/ افتتاحية

لم يتأخر الرد الجزائري الرسمي برفض الدعوة المغربية إلى فتح الحدود وتجاوز خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة. سرعان ما أجهز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خرجته الإعلامية الأخيرة على أي أمل في استعادة الدفء في العلاقات المغربية الجزائرية، وهو يعود إلى ترديد الأسطوانة ذاتها لدعم الانفصال في الصحراء، والوقوف عند تصريحات السفير المغربي عمر هلال حول قضية حق الشعب القبائلي في تقرير المصير. هذه التصريحات التي قدمها تبون في لقاء تلفزيوني أمام صحافيين ملقنين من الأجهزة الاستخباراتية كسرت أفق الانتظار بشأن أي تحسن في العلاقات وتفاعل إيجابي في سياق يحتاج فيه البلدان أكثر من أي وقت مضى إلى تنسيق الجهود وتوحيد المبادرات.

وإذا كانت الدعوة الملكية في خطاب العرش الأخير قد كشفت عن قوة الموقف المغربي الذي ليس لديه أي ضير أو عقدة من بسط مبادرات المصالحة وفتح أحضانه للإخوة الجزائريين بل واستعداده إلى التقارب دون شروط، فإن الموقف الجزائري الرسمي الذي عبر عنه تبون يعكس خوفا عميقا وضمنيا من مسألة الانفتاح والتقارب، بسبب انعكاساتها المحتملة على النظام العسكري في قصر المرادية. هذا النظام الذي يعيش منذ حوالي سنتين على إيقاع أزمات مختلفة الأبعاد: سياسية وأمنية وإنسانية وصحية واقتصادية ومائية… غير مستعد على ما يبدو لأي مرحلة سياسية جديدة بشراكة مع فاعلين جدد على الواقع الجزائري، وعلى رأسهم المغرب، لما يمكن أن يمثله ذلك من كشف لعورة النظام وإخفاقاته ومعالم الدولة الفاشلة التي يقودها.

فتح الحدود بالنسبة لجنرالات الجزائر مسألة أمنية بالدرجة الأولى على اعتبار أن تزايد الحركية الاجتماعية والسياحية بين البلدين، قد تهدم الكثير من الأساطير والخرافات التي رسخها الإعلام الجزائري الموجه، حول “مغرب الفقر والتهريب والدعارة” وغيرها. بل إن الأزمة المائية التي يعيشها المواطن الجزائري اليوم تكفي وحدها لوضع مقارنات قاتلة بين المغرب والجزائر، البلدين اللذين يتقاسمان الكثير من المشتركات المناخية والطبيعية، لكنهما يدبران المسألة المائية بشكل مختلف. العسكر يدركون أن وفرة مياه الصنابير في وجدة والسعيدية والناضور، ناهيك عن الدار البيضاء وطنجة ومراكش، يمكن أن تمثل صدمة للمواطن المقيم في الجزائر العاصمة أو غيرها، خصوصا بعد أن تبين أن الأزمة المائية حسب اعترافات تبون نفسه، لن تبدأ في إيجاد طريقها نحو الحل إلا في صيف 2022.

هذا هو الواقع المزعزع الذي يخافه جنرالات الجزائر، ويدفعهم إلى تفضيل المزيد من الانغلاق الحدودي والأمني والجغرافي بدلا من تطبيع العلاقات مع المغرب، والسماح بحركية البشر ورؤوس الأموال والبضائع في أفق تطوير كامل للعلاقات الاقتصادية والتجارية، وبناء الاتحاد المغاربي. بعبارة أخرى، إن سياق الأزمة الشاملة التي تعيشها الجزائر، يعتبر بالنسبة للعسكر عاملا من عوامل المخاطرة، التي لا تسمح لهم بقبول أي تطبيع، بل يجدون الحل في تعميق الخلافات والحفاظ على مناخ القطيعة بعيدا عن أي انفتاح مهدد لاستقرار النظام الجزائري واستمراره.

لكن هل يمكن القول بناء على ذلك أن عسكر الجزائر كانوا سيقبلون التطبيع في ظل ظروف أمنية واقتصادية مستقرة وعادية؟ ليس ذلك مؤكدا، فالقطيعة مع المغرب ومعاداة وحدته الترابية تحولت إلى ثابت من ثوابت السياسة الخارجية لهذا النظام منذ عقود. وقد بلغ الأمر حد إسقاط رؤساء أو اغتيالهم أو تنحيتهم فقط لأنهم عبروا في وقت من الأوقات عن نواياهم الطيبة تجاه العلاقات مع المغرب، وقد كان هذا قدر الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف. يدفعنا هذا إذن إلى الجزم بأن عامل الأزمة الشاملة في الجزائر سيدفع الجنرالات إلى المزيد من التشدد في مقاربة العلاقات مع المغرب، ولو كان ذلك على حساب آلاف الأسر الجزائرية والمغربية وعلى حساب حقهم الإنساني في التقارب وربط أواصر الوصال.

زر الذهاب إلى الأعلى